كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 3)

وسلم: "لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد" قلت لابن عباس ما قوله ولا يبع حاضر لباد قال لا يكون له سمسار" متفق عليه واللفظ للبخاري اشتمل الحديث على النهي عن صورتين من صور البيع الأولى النهي عن تلقي الركبان أي الذين يجلبون إلى البلد أرزاق العباد للبيع سواء كانوا ركبانا أو مشاة جماعة أو واحدا وإنما خرج الحديث على الأغلب في أن الجالب يكون عددا وأما ابتداء التلقي فيكون ابتداؤه من خارج السوق الذي تباع فيه السلعة وفي حديث ابن عمر "كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام" وفي لفظ آخر بيان أن التلقي لا يكون في السوق قال ابن عمر كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق فيبيعونه في مكانه فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه أخرجه البخاري فدل على أن القصد إلى أعلى السوق لا يكون تلقيا وأن منتهى التلقي ما فوق السوق وقالت الهادوية والشافعية إنه لا يكون التلقي إلا خارج البلد وكأنهم نظروا إلى المعنى المناسب للمنع وهو تغرير الجالب فإنه إذا قدم إلى البلد أمكنه معرفة السعر وطلب الحظ لنفسه فإن لم يفعل ذلك فهو من تقصيره واعتبرت المالكية وأحمد وإسحاق السوق مطلقا عملا بظاهر الحديث والنهي ظاهر في التحريم حيث كان قاصدا التلقي عالما بالنهي عنه وعن أبي حنيفة والأوزاعي أنه يجوز التلقي إذا لم يضر بالناس فإن ضر كره فإن تلقاه فاشترى صح البيع عند الهادوية والشافعية وثبت الخيار عند الشافعي للبائع لما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة من حديث أبي هريرة بلفظ "لا تلقوا الجلب فإن تلقاه إنسان فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق" ظاهر الحديث أن العلة في النهي نفع البائع وإزالة الضرر عنه وقيل نفع أهل السوق لحديث ابن عمر لا تلقوا السلع حتى تهبطوا بها السوق واختلف العلماء هل البيع معه صحيح أو فاسد فعند من ذكرناه قريبا أنه صحيح لأن النهي لم يرجع إلى نفس العقد ولا إلى وصف ملازم له فلا يقتضي النهي الفساد وقد اشترط جماعة من العلماء لتحريم التلقي شرائط فقيل يشترط في التحريم أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم بأقل من ثمن المثل وقيل أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وقيل أن يخبرهم بكساد ما معهم ليغبنهم وهذه تقييدات لم يدل عليها دليل بل الحديث أطلق النهي والأصل فيه التحريم مطلقا الصورة الثانية ما أفاده قوله "ولا يبع حاضر لباد" وقد فسره ابن عباس بقوله لا يكون له سمسار بسينين مهملتين وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم اشتهر في متولي البيع والشراء لغيره بالأجرة كذا قيده البخاري وجعل حديث ابن عباس مقيدا لما أطلق من الأحاديث وأما بغير أجرة فجعله من باب النصيحة والمعاونة فأجازه وظاهر أقوال العلماء أن النهي شامل لما كان بأجرة وما كان بغير أجرة وفسر بعضهم صورة بيع الحاضر للبادي بأن يجيء البلد غريب بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على

الصفحة 21