كتاب سبل السلام - البابي الحلبي (اسم الجزء: 3)
التدريج بأعلى من هذا السعر ثم من العلماء من خص هذا الحكم بالبادي وجعله قيدا ومنهم من ألحق به الحاضر إذا شاركه في عدم معرفة السعر وقال ذكر البادي في الحديث خرج مخرج الغالب فأما أهل القرى الذين يعرفون الأسعار فليسوا بداخلين في ذلك ثم منهم من قيد ذلك بشرط العلم بالنهي وأن يكون المتاع المجلوب مما تعم به الحاجة وأن يعرض الحضري ذلك على البدوي فلو عرضه البدوي على الحضري لم يمنع وكل هذه القيود لا يدل عليها الحديث بل استنبطوها من تعليلهم للحديث بعلل متصيدة من الحكم ثم قد عرفت أن الأصل في النهي التحريم وإلى هنا ذهبت طائفة من العلماء وقال آخرون إن الحديث منسوخ وإنه جائز مطلقا كتوكيله ولحديث النصيحة ودعوى النسخ غير صحيحة لافتقارها إلى معرفة التاريخ ليعرف المتأخر وحديث النصيحة إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له مشروط فيه أنه إذا استنصحه نصحه بالقول لا أنه يتولى له البيع وهذا في حكم بيع الحاضر للبادي وكذلك الحكم في الشراء له فلا يشتري حاضر لباد وقد قال البخاري باب لا يشتري حاضر لباد بالسمسرة قال ابن حبيب المالكي الشراء للبادي كالبيع لقوله صلى الله عليه وسلم لا يبع بعضكم على بيع بعض فإن معناه الشراء وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال: لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد أما نهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال: نعم وأخرجه أبو داود وعن ابن سيرين عن أنس كان يقال لا يبع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا فإن قيل قد لوحظ في النهي عن تلقي الجنوبة عدم غبن البادي ولوحظ في النهي عن بيع الحاضر للبادي الرفق بأهل البلد واعتبر فيه غبن البادي وهو كالتناقض فالجواب أن الشارع يلاحظ مصلحة الناس ويقدم مصلحة الجماعة على الواحد لا الواحد على الجماعة ولما كان البادي إذا باع لنفسه انتفع جميع أهل السوق واشتروا رخيصا فانتفع به جميع سكان البلد لاحظ الشارع نفع أهل البلد على نفع البادي ولما كان في التلقي إنما ينتفع المتلقي خاصة وهو واحد لم يكن في إباحة التلقي مصلحة لا سيما وقد تنضاف إلى ذلك علة ثانيةوهي لحوق الضرر بأهل السوق في انفراد التلقي عنهم في الرخص وقطع الموارد عليهم وهم أكثر من المتلقي نظر الشارع لهم فلا تناقض بين المسألتين بل هما صحيحتان في الحكمة والمصلحة
28- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلقوا الجلب" بفتح اللام مصدر بمعنى المجلوب "فمن تلقي فاشتري منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار" رواه مسلم تقدم الكلام عليه وأنه دليل على ثبوت الخيار للبائع وظاهره ولو شراه المتلقي بسعر السوق فإن الخيار ثابت
29- وعنه أي أبي هريرة قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ولا تناجشوا ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة"
الصفحة 22
272