كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثاروا عليه، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَكْرَهُمْ. فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. فاقتفوا أَثَرَهُ فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ اخْتَلَطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا أَحَدٌ لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ. وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى فَمِ الْغَارِ، وَذَلِكَ مِنْ حِمَايَةِ اللَّهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
[وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ الْقَاضِي فِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا بَشَّارٌ الخفاف ثنا جعفر وسليمان [1] ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى بْنُ زِيَادٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الْغَارِ، وَجَاءَتْ قُرَيْشٌ يَطْلُبُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْا عَلَى بَابِ الْغَارِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ قَالُوا: لَمْ يَدْخُلْ أَحَدٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي وَأَبُو بَكْرٍ يَرْتَقِبُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ يطلبونك، أما والله ما على نفسي آئل [2] وَلَكِنْ مَخَافَةَ أَنْ أَرَى فِيكَ مَا أَكْرَهُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَخَفْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ حَسَنٌ بِحَالِهِ مِنَ الشَّاهِدِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ. وَقَدْ كان عليه السلام إذا أحزنه أمر صلى وروى هذا الرجل- اعنى ابو بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْقَاضِيَ-[عَنْ] عَمْرٍو النَّاقِدِ عَنْ خَلَفِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مُوسَى بن مطر عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ. قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ إِذَا حَدَثَ فِي النَّاسِ حَدَثٌ فَأْتِ الْغَارَ الَّذِي اخْتَبَأَتُ فِيهِ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُنْ فِيهِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيكَ رِزْقُكَ فِيهِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا] [3] .
وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ:
نَسْجُ دَاوُدَ مَا حَمَى صاحب الغار ... وَكَانَ الْفَخَارُ لِلْعَنْكَبُوتِ
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ حَمَامَتَيْنِ عَشَّشَتَا عَلَى بَابِهِ أَيْضًا، وَقَدْ نَظَمَ ذَلِكَ الصَّرْصَرِيُّ فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ:
فَغَمَّى عَلَيْهِ الْعَنْكَبُوتُ بِنَسْجِهِ ... وَظَلَّ عَلَى الْبَابِ الْحَمَامُ يَبِيضُ
وَالْحَدِيثُ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَنَا عَوْنُ بْنُ عَمْرٍو أبو عمرو القيسي- ويلقب عوين- حَدَّثَنِي أَبُو مُصْعَبٍ الْمَكِّيُّ. قَالَ: أَدْرَكْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ليلة الغار أمر الله شجرة
__________
[1] كذا في الأصل، ولعله جعفر بن سليمان الضبعي من رجال الخلاصة.
[2] ألّ المريض والحزين أنّ وحنّ ورفع صوته وصرخ عند المصيبة.
[3] ما بين المربعين زيادة في النسخة الحلبية، ولم يرد في النسخة المصرية.

الصفحة 181