كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا. ثُمَّ بَنَاهُ مَسْجِدًا. فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ معهم اللبن في بنيانه، وهو يقول حين ينقل اللبن:
هذا الحمال لاحمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر
ويقول:
لاهمّ إن الأجر أجر الآخرة ... فارحم الأنصار والمهاجره [1]
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ دُونَ مُسْلِمٍ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ وَلَيْسَ فِيهِ قِصَّةُ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ، وَلْنَذْكُرْ هُنَا مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ مُرَتَّبًا أَوَّلًا فَأَوَّلًا.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو سَعِيدٍ الْعَنْقَزِيُّ ثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ سَرْجًا بِثَلَاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْهُ إِلَى مَنْزِلِي. فَقَالَ: لَا حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْتَ مَعَهُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: خَرَجْنَا فَأَدْلَجْنَا فَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، فَضَرَبْتُ بَصَرِي هَلْ أَرَى ظِلًّا نَأْوِي إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا، فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً وَقُلْتُ اضْطَجِعْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَنْظُرُ هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي غَنَمٍ، فَقُلْتُ لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ؟ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ- فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ- فَقُلْتُ هَلْ فِي غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ نَعَمْ! قُلْتُ هَلْ أَنْتَ حَالِبٌ لِي؟ قَالَ نَعَمْ! فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْهَا ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَارِ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً [2] مِنَ اللبن فصببت عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقُلْتُ اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلْتُ هَلْ آنَ الرَّحِيلُ؟ فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا؟ قَالَ «لَا تَحْزَنْ إن الله معنا» حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قد رمح- أو
__________
[1] كذا في الأصل، وفي ابن هشام: أن المسلمين كانوا يَقُولُونَ:
لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الْآخِرَهْ اللَّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لا عيش إلا عيش الآخرة اللَّهمّ فارحم المهاجرين والأنصار.
[2] الكثبة من اللبن القليل منه، وكل قليل جمعته من طعام وغيره. عن النهاية.

الصفحة 187