كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا عبد الله بن موسى عن سنان عن فراس عن عطية العوفيّ عن عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ سَوَارِيهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ جُذُوعِ النَّخْلِ، أَعْلَاهُ مُظَلَّلٌ بِجَرِيدِ النَّخْلِ، ثُمَّ إنها تخربت فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ، فَبَنَاهَا بِجُذُوعِ وَبِجَرِيدِ النخل، ثم انها تخربت فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَبَنَاهَا بِالْآجُرِّ، فَمَا زَالَتْ ثَابِتَةً حَتَّى الْآنَ. وَهَذَا غَرِيبٌ. وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أبى صَالِحٍ ثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بِنَائِهِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا. وَغَيَّرَهُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ وَالْقَصَّةِ [1] وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ وَسَقْفَهُ بِالسَّاجِ [2] وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِهِ.
قُلْتُ: زَادَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَأَوِّلًا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ بَنَى للَّه مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ الْمَوْجُودُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُغَيِّرُوهُ بَعْدَهُ، فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ على الراجح من قول الْعُلَمَاءِ أَنَّ حُكْمَ الزِّيَادَةِ حُكْمُ الْمَزِيدِ فَتَدْخُلُ الزِّيَادَةُ فِي حُكْمِ سَائِرِ الْمَسْجِدِ مِنْ تَضْعِيفِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَشَدِّ الرِّحَالِ إِلَيْهِ، وَقَدْ زِيدَ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَانِي جَامِعِ دِمَشْقَ زَادَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ كَانَ نَائِبَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَدْخَلَ الْحُجْرَةَ النَّبَوِيَّةَ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي وَقْتِهِ، ثُمَّ زِيدَ زِيَادَةً كَثِيرَةً فِيمَا بَعْدُ، وَزِيدَ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ حَتَّى صَارَتِ الرَّوْضَةُ وَالْمِنْبَرُ بَعْدَ الصُّفُوفِ الْمُقَدَّمَةِ كَمَا هُوَ الْمُشَاهِدُ الْيَوْمَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ حَتَّى بَنَى مَسْجِدَهُ وَمَسَاكِنَهُ وَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَغِّبَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْعَمَلِ فِيهِ. فَعَمِلَ فِيهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَدَأَبُوا فِيهِ. فَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ
وَارْتَجَزَ الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ يَبْنُونَهُ يَقُولُونَ:
لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشَ الْآخِرَهْ ... اللَّهمّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ، اللَّهمّ ارْحَمْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ» قَالَ فدخل
__________
[1] القصة هي الجص كما في النهاية.
[2] في المصرية: بالسلاح وفي الحلبية بالساح تصحيف والساج ألواح من الشجر، أو هو اسم لنوع من الشجر.

الصفحة 216