كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخُبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ حَبَا إِلَى الْحَوْضِ حَتَّى اقْتَحَمَ فِيهِ يريد زعم أن تبر يَمِينَهُ وَاتَّبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ. قَالَ الْأُمَوِيُّ: فَحَمِيَ عِنْدَ ذَلِكَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ شَجَاعَتَهُ، فَبَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ دَعَوْا إِلَى الْبِرَازِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فتية من الأنصار ثلاثة وهم عوف ومعاذ ابْنَا الْحَارِثِ وَأُمَّهُمَا عَفْرَاءُ، وَالثَّالِثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ- فِيمَا قِيلَ- فَقَالُوا مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا رَهْطٌ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَقَالُوا مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالُوا أَكْفَاءٌ كِرَامٌ وَلَكِنْ أَخْرِجُوا إِلَيْنَا مِنْ بَنِي عَمِّنَا، وَنَادَى مُنَادِيهِمْ: يَا مُحَمَّدُ أَخْرِجْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُمْ يَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ» وَعِنْدَ الْأُمَوِيِّ أَنَّ النَّفَرَ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمَّا خَرَجُوا كَرِهَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَوْقِفٍ وَاجَهَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْدَاءَهُ فَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ فَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ وَأَمَرَ أولئك الثلاثة بالخروج.
قال ابن إسحاق فما دَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا مَنْ أَنْتُمْ؟ - وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُمْ كَانُوا مُلَبَّسِينَ لَا يُعْرَفُونَ مِنَ السِّلَاحِ- فَقَالَ: عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ، وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ، وَقَالَ عَلِيٌّ عَلِيٌّ. قَالُوا نَعَمْ! أَكْفَاءٌ كِرَامٌ. فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنَّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ، وَبَارَزَ عَلِيٌّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ. فَأَمَّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ يُمْهِلِ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ، وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا بِضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ، وَكَرَّ حَمْزَةُ وَعَلِيٌّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مجاز عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّهُ كَانَ يُقْسِمُ قَسَمًا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ 22: 19 نزلت في حمزة وصاحبه، وعتبة وصاحبه يَوْمَ بَرَزُوا فِي بَدْرٍ. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبِي ثنا أبو مجاز عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ يَدَيِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ قَيْسٌ: وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ 22: 19 قَالَ هُمُ الَّذِينَ بَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ عَلِيٌّ وحمزة وعبيدة وشيبة بن ربيعة وعتبة ابن رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَقَدْ أَوْسَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي التَّفْسِيرِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ. قَالَ: بَرَزَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ وَبَرَزَ إِلَيْهِمْ حَمْزَةُ وَعُبَيْدَةُ وَعَلِيٌّ. فَقَالُوا: تَكَلَّمُوا نَعْرِفْكُمْ. فَقَالَ حَمْزَةُ: أَنَا أسد الله وأسد رسول الله أنا حمزة بن عبد المطلب. فقال كفؤ كَرِيمٌ. وَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رسول الله، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: أَنَا الَّذِي فِي الْحُلَفَاءِ، فَقَامَ كُلُّ رَجُلٍ إِلَى رَجُلٍ فَقَاتَلُوهُمْ

الصفحة 273