كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس فِي أَفْئِدَتِنَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَشَدِّ الرُّعْبِ عَلَيْنَا.
وَقَالَ الْأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي ثنا ابن أبى إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ قَالَ: اللَّهُمَّ أَقَطَعُنَا لِلرَّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ. فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ. فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَقَدْ شَجَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى لِقَاءِ عَدُوِّهِمْ وَقَلَّلَهُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حَتَّى طَمِعُوا فِيهِمْ، خَفَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفْقَةً فِي الْعَرِيشِ ثُمَّ انْتَبَهَ فَقَالَ «أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَتِهِ آخِذٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ أَتَاكَ نَصْرُ اللَّهِ وَعِدَتُهُ» وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ كَفًّا مِنَ الْحَصَى بِيَدِهِ ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَالَ «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ «احْمِلُوا فَلَمْ تَكُنْ إِلَّا الْهَزِيمَةُ» فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِهِمْ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْهُمْ. وَقَالَ زِيَادٌ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حنفة مِنَ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ بِهَا قُرَيْشًا ثُمَّ قَالَ «شَاهَتِ الْوُجُوهُ» ثُمَّ نَفَحَهُمْ بِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ «شُدُّوا» فَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ، فَقَتَلَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ يَوْمَ بدر «أعطنى حصباء من الأرض» فناوله حصباء عليها تُرَابٌ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنَيْهِ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ شَيْءٌ، ثُمَّ رَدِفَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَيَأْسِرُونَهُمْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ، وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى 8: 17 وَهَكَذَا قَالَ عُرْوَةُ وَعِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ يوم بدر، وقد فعل عليه السلام مِثْلَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ. وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما حَرَّضَ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ وَرَمَى الْمُشْرِكِينَ بِمَا رَمَاهُمْ بِهِ مِنَ التُّرَابِ وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى صَعِدَ إِلَى الْعَرِيشِ أَيْضًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَوَقَفَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ وَمَعَهُمُ السُّيُوفُ خِيفَةَ أَنْ تَكُرَّ رَاجِعَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا ذُكِرَ لِي- فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُ «كَأَنِّي بِكَ يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمُ؟» قَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَتْ أَوَّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللَّهُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ، فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ اسْتِبْقَاءِ الرِّجَالِ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ «إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كَرْهًا لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا خَرَجَ مُسْتَكْرَهًا» فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ: أَنَقْتُلُ

الصفحة 284