كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

ابن أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. قَالَ: كَانَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكَّةَ، وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو فَتَسَمَّيْتُ حين أسلمت عبد الرحمن، فكان يلقاني ونحن بِمَكَّةَ فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ عَمْرٍو أَرَغِبْتَ عَنِ اسم سماكه أبوك؟ قَالَ فَأَقُولُ نَعَمْ! قَالَ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْئًا أَدْعُوكَ بِهِ أَمَّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِكَ الْأَوَّلِ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَدْعُوكَ بِمَا لَا أَعْرِفُ. قَالَ وَكَانَ إِذَا دَعَانِي يَا عَبْدَ عَمْرٍو لَمْ أُجِبْهُ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَلِيٍّ اجْعَلْ مَا شِئْتَ. قَالَ فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ! قَالَ فَكُنْتُ إِذَا مَرَرْتُ بِهِ قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدَّثُ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيٍّ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ، قَالَ وَمَعِي أَدْرَاعٌ لِي قَدِ اسْتَلَبْتُهَا فَأَنَا أَحْمِلُهَا فَلَمَّا رَآنِي. قَالَ يَا عَبْدَ عَمْرٍو فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَقُلْتُ نَعَمْ! قَالَ هَلْ لَكَ فِيَّ فَأَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الَّتِي مَعَكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ هَا اللَّهِ، قَالَ فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي وَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَبِيَدِ ابْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ:
مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللَّبَنِ؟ ثُمَّ خَرَجْتُ أَمْشِي بِهِمَا. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف. قال قال لي أمية ابن خلف وأنا بينه وبين ابنه آخذا بِأَيْدِيهِمَا: يَا عَبْدَ الْإِلَهِ مَنِ الرَّجُلُ مِنْكُمُ الْمُعْلَمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالَ قُلْتُ حَمْزَةُ قَالَ ذَاكَ الَّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ. قال عبد الرحمن فو الله إِنِّي لَأَقُودُهُمَا إِذْ رَآهُ بِلَالٌ مَعِي- وَكَانَ هُوَ الَّذِي يُعَذِّبُ بِلَالًا بِمَكَّةَ عَلَى الْإِسْلَامِ- فَلَمَّا رَآهُ قَالَ رَأَسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، قَالَ قُلْتُ أي بلال أسيري، قَالَ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، قَالَ ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللَّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا، فَأَحَاطُوا بِنَا حَتَّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمَسَكَةِ [1] فَأَنَا أَذُبُّ عَنْهُ، قَالَ فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السَّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ، وَصَاحَ أُمَيَّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ بِمِثْلِهَا قَطُّ، قَالَ قُلْتُ أنج بنفسك ولا نجاء، فو الله مَا أُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. قَالَ فَهَبَرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُمَا. قَالَ فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: يَرْحَمُ اللَّهُ بِلَالًا فَجَعَنِي بِأَدْرَاعِي وَبِأَسِيرَيَّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فَقَالَ فِي الْوِكَالَةِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ- حَدَّثَنَا يُوسُفُ- هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ- عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كِتَابًا بِأَنْ يَحْفَظَنِي فِي صَاغِيَتِي [2] بِمَكَّةَ وَأَحْفَظَهُ فِي صَاغِيَتِهِ بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذَكَرْتُ الرَّحْمَنَ قَالَ لَا أَعْرِفُ الرَّحْمَنَ، كَاتَبْنِي بِاسْمِكَ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَاتَبْتُهُ عَبْدَ عَمْرٍو فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ خَرَجْتُ إلى جبل لا حرزه حِينَ نَامَ النَّاسُ فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ فَخَرَجَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مَجْلِسٍ [مِنَ] الْأَنْصَارِ فَقَالَ: أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ؟! لَا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ بن خلف فخرج
__________
[1] المسكة بالتحريك السوار: أي جعلونا في حلقة كالسوار وأحدقوا بنا عن النهاية.
[2] الصاغية: خاصة الإنسان والمائلون اليه من النهاية أيضا.

الصفحة 286