كتاب البداية والنهاية ط الفكر (اسم الجزء: 3)

فو الله لَا تَنْفَكُّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمَلُ حَتَّى تَصْدُقُوا الخزرج الضربا
فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَشْعَارًا مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ قَوِيَّةَ الصَّنْعَةِ يَرْثُونَ بِهَا قَتْلَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ أَخِي بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ وَقَدْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالسُّهَيْلِيُّ فِي رَوْضِهِ يَتَكَلَّمُ عَلَى أَشْعَارِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ:
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرُ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدَّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرِ بَنِي النَّجَّارِ أَنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلُّهُمْ ثَمَّ صَائِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنَّا رِجَالًا بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسْطَكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتَّى يَشْفِيَ النَّفْسَ ثَائِرُ
وَوَسْطَ بَنِي النَّجَّارِ سَوْفَ نَكُرُّهَا ... لها بالقنا والدار عين زَوَافِرُ
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطَّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لهم إلا الأماني ناصر
وتبكيهم من أرض يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنَّ بِهَا لَيْلٌ عَنِ النَّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِكَ أَنَّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنَّ دم ممن يحار بن مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنَّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدُّكُمْ وَهْوَ ظَاهِرُ
وَبِالنَّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي اللَّأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدُّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمُ ... وَيُدْعَى عَلِيٌّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نتّجت من دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنَّجَّارِ حِينَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ ... إِذَا عُدَّتِ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمُ الطَّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كل معرك ... غداة الهياج الأطيبون الأكابر
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَسْلَفْنَاهَا وَهِيَ قَوْلُهُ:
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاللَّهُ قَادِرُ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ للَّه قَاهِرُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبَ.
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ خَلَفَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ حِينَ طَلَّقَهَا الصِّدِّيقُ وَذَلِكَ لَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاسْمُهَا أُمُّ بَكْرٍ:
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنَ الْقَيْنَاتِ وَالشَّرْبِ الْكِرَامِ

الصفحة 341