كتاب فتح القدير للشوكاني (اسم الجزء: 3)

وَقِيلَ: هِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى مِصْرَ نَزَلُوا فِيهَا وَامْتَارُوا مِنْهَا وَقِيلَ: الْمَعْنَى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَتْ جَمَادًا فَإِنَّكَ نَبِيُّ اللَّهِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ سَيُنْطِقُهَا فَتُجِيبُكَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يَجُوزُ: كَلِّمْ هِنْدًا وَأَنْتَ تُرِيدُ غُلَامَ هِنْدٍ وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أَيْ: وَقُولُوا لِأَبِيكُمُ: اسْأَلِ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا، أَيْ: أَصْحَابَهَا وَكَانُوا قَوْمًا مَعْرُوفِينَ مِنْ جِيرَانِ يَعْقُوبَ وَإِنَّا لَصادِقُونَ فِيمَا قُلْنَا، جَاءُوا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ مُؤَكَّدَةً هَذَا التَّأْكِيدَ، لِأَنَّ مَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُمْ مَعَ أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ يُوجِبُ كَمَالَ الرِّيبَةِ فِي خَبَرِهِمْ هَذَا عِنْدَ السَّامِعِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ:
يَعْنُونَ يُوسُفَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَرَقَ مُكْحُلَةً لِخَالَتِهِ، يَعْنِي يُوسُفَ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عَطِيَّةَ قَالَ: سَرَقَ فِي صِبَاهُ مِيلَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«سَرَقَ يُوسُفُ صَنَمًا لِجَدِّهِ أَبِي أُمِّهِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَكَسَرَهُ، وَأَلْقَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَعَيَّرَهُ بِذَلِكَ إِخْوَتُهُ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ غَيْرَ مَرْفُوعٍ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ قَالَ: أَسَرَّ فِي نَفْسِهِ قَوْلَهُ: أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ قَالَ:
أَيِسُوا مِنْهُ، وَرَأَوْا شِدَّتَهُ فِي أمره. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ: وَحْدَهُمْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: قالَ كَبِيرُهُمْ قَالَ: شَمْعُونُ الَّذِي تَخَلَّفَ أَكْبَرُهُمْ عَقْلًا، وَأَكْبَرُ مِنْهُ فِي الْمِيلَادِ رُوبِيلُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ قالَ كَبِيرُهُمْ هُوَ رُوبِيلُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ نَهَاهُمْ عَنْ قَتْلِهِ وَكَانَ أَكْبَرَ الْقَوْمِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي قَالَ: أُقَاتِلُ بِسَيْفِي حَتَّى أُقْتَلَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَكَ يَسْرِقُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عباس في قوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ قَالَ: يَعْنُونَ مِصْرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ قَتَادَةَ مثله.

[سورة يوسف (12) : الآيات 83 الى 88]
قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (85) قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (87)
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)

الصفحة 56