كتاب النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة (اسم الجزء: 3)

وكان جميع خصال ابن طولون محمودة، إلا أنه كان حادّ الخلق والمزاج؛ فإنه لما ولى مصر والشام ظلم كثيرا وعسف وسفك كثيرا من الدماء. يقال: إنه مات فى حبسه «1» ثمانية عشر ألفا، فرأى فى منامه كأنّ الحق سبحانه قد مات فى داره فاستعظم ذلك وانتبه فزعا، وجمع المعبّرين فلم يدروا؛ فقال له بعضهم: أقول ولى الأمان؟
قال نعم؛ قال: أنت رجل ظالم، قد أمتّ الحقّ فى دارك! فبكى.
وكان فيه ذكاء وفطنة وحدس ثاقب. قال محمد بن عبد الملك الهمذانىّ:
إن ابن طولون جلس يأكل، فرأى سائلا فأمر له بدجاجة ورغيف وحلواء، فجاءه الغلام فقال: ناولته فما هشّ له؛ فقال ابن طولون: علىّ به، فلما مثل بين يديه لم يضطرب من الهيبة؛ فقال له ابن طولون: أحضر لى الكتب التى معك واصدقنى، فقد صحّ عندى أنك صاحب خبر، وأحضر السياط فاعترف؛ فقال له بعض من حضر: هذا والله السحر الحلال! قال ابن طولون: ما هو سحر ولكنّه قياس صحيح، رأيت سوء حاله فسيّرت له طعاما يشره له الشبعان فما هشّ له، فأحضرته فتلقّانى بقوّة جأش، فعلمت أنه صاحب خبر لا فقير، فكان كذلك.
وقال أبو الحسين الرازىّ: سمعت أحمد [بن أحمد «2» ] بن حميد بن أبي العجائز وغيره من شيوخ دمشق قالوا: لما دخل أحمد بن طولون دمشق وقع بها حريق عند كنيسة مريم، فركب ابن طولون إليه ومعه أبو زرعة البصرى «3» وأبو عبد الله أحمد ابن محمد الواسطىّ كاتبه؛ فقال ابن طولون لأبى زرعة: ما يسمّى هذا الموضع؟
قال: كنيسة مريم؛ فقال أبو عبد الله: أكان لمريم كنيسة؟ قال: ماهى من بناء

الصفحة 13