كتاب الروض الأنف ت الوكيل (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمَوْضِعِ تُعْطِي الِاخْتِصَاصَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: إنّ زَيْدًا فَاسِقٌ، فَلَا يَكُونُ مَخْصُوصًا بِهَذَا الْوَصْفِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِذَا قُلْت: إنّ زَيْدًا هُوَ الْفَاسِقُ، فَمَعْنَاهُ:
هُوَ الْفَاسِقُ الّذِي زَعَمَتْ «1» ، فَدَلّ عَلَى أَنّ بِالْحَضْرَةِ مَنْ يَزْعُمُ غَيْرَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا قَالَ الْجُرْجَانِيّ وَغَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنّ هُوَ تُعْطِي الِاخْتِصَاصَ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) لَمّا كَانَ الْعِبَادُ «2» يُتَوَهّمُونَ أَنّ غَيْرَ اللهِ قَدْ يُغْنِي، قَالَ: هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى، أَيْ: لَا غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا» إذْ كَانُوا قَدْ يَتَوَهّمُونَ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ ما توهمه النّمْرُودُ حِينَ قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ، أَيْ: أَنَا أَقْتُلُ مَنْ شِئْت، وَأَسْتَحْيِي مَنْ شِئْت، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ: وَأَنّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا أَيْ: لَا غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) «3» أَيْ: هُوَ الرّبّ لَا غَيْرُهُ، إذْ كَانُوا قَدْ اتّخَذُوا أَرْبَابًا مِنْ دُونِهِ، مِنْهَا: الشّعْرَى، فَلَمّا قَالَ: وَإِنّهُ خَلَقَ الزّوْجَيْنِ، وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَادًا اسْتَغْنَى الْكَلَامُ عَنْ هُوَ الّتِي تُعْطِي معنى الاختصاص، لأنه فصل لَمْ يَدَعْهُ أَحَدٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ أَيْ: لَا أَنْتَ. وَالْأَبْتَرُ: الّذِي لَا عَقِبَ لَهُ يَتْبَعُهُ، فعدمه كالبتر الذى هو عدم
__________
(1) فى الأصل: التى.
(2) التعبير الدقيق: بعض العبيد.
(3) هذه الايات من سورة النجم وترتيبها: (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى، وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى. وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) النجم 44- 49. وأقنى: أعطى المال المتخذ قنية. والشعرى: كوكب خلف الجوزاء أشد ضياء من الغميصا وفى القاموس: الشعرى: العبور، والشعرى: الغميصاء أختا سهيل.

الصفحة 403