كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة ت الفريح (اسم الجزء: 3)
واحتج: بما روى جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخطب، فقدم عير من مصر، فانفض الناس إلى العير، وبقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - اثنا عشر رجلًا (¬1)، ولم ينقل أنهم رجعوا، ولو رجعوا، لنقل، ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترك الجمعة ذلك الوقت، وصلى بهم، فدل على سقوط الأربعين.
والجواب: أن أبا الحسن الدارقطني روى بإسناده في كتابه (¬2) عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبنا يوم الجمعة، إذ أقبلت عير تحمل الطعام، حتى نزلوا بالبقيع، فالتفتوا إليها، فانفضوا إليها، وتركوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس معه إلا [أربعون] (¬3) رجلًا أنا فيهم، قال: وأنزل الله - عز وجل - على النبي - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، فتعارضت
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري في كتاب: الجمعة، باب: إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة، رقم (936)، ومسلم في كتاب: الجمعة، باب: في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، رقم (863).
(¬2) السنن، كتاب: الجمعة، باب: ذكر العدد في الجمعة، رقم (1583)، وقال: (لم يقل في هذا الإسناد: إلا أربعون رجلًا، غير علي بن عاصم عن حصين، وخالفه أصحاب حصين)، وأخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب: الجمعة، باب: الانفضاض، رقم (5627)، قال ابن رجب: (علي بن عاصم، ليس بالحافظ، فلا يقبل تفرده بما يخالف الثقات). ينظر: الفتح (5/ 524).
(¬3) طمس بالأصل، والمثبت من سنن الدارقطني.