كتاب التعليق الكبير في المسائل الخلافية بين الأئمة ت الفريح (اسم الجزء: 3)
وفي حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: أخرها حتى غاب الشفق، ثم صلى، وأخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك (¬1)، فبين أنه صلى المغرب في وقت العشاء.
فإن قيل: يحمل قول أنس - رضي الله عنه -: أخر الظهر إلى وقت العصر، على أنه قارب وقت العصر، وكذلك قوله في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: أخر المغرب حتى غاب الشفق، معناه: قارب أن يغيب، كما قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة: 234]، وأراد: قارب بلوغ أجلهن، ولأنه يحتمل أن يكون أراد بالشفق (¬2)، وفي ذلك الوقت لا يخرج وقت المغرب عند أبي حنيفة - رحمه الله -، ولأنه يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يؤخر حتى يصليها بعد ما يصير ظل كل شيء مثله، وكان عند أنس - رضي الله عنه -: أن وقت العصر يدخل بذلك، وعند أبي حنيفة: لم يدخل وقتها.
قيل له: أما قولك: إنني أحمل هذا على أنه قارب وقت العصر، فهذا خلاف الحقيقة؛ لأن الحقيقة تقتضي الإكمال؛ كما قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59]، والمراد به: كمال البلوغ، ولأن قوله: أخرها إلى وقت العصر، نحو قوله: أخر المغرب بالمزدلفة إلى وقت العشاء، والمراد بذلك: خروجُ الوقت.
¬__________
(¬1) مضى تخريجه في ص 72.
(¬2) كذا في الأصل، ولعل ثمة سقطًا، وفي الانتصار (2/ 557): (معناه: حتى قارب الغيبوبة).