كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 3)

بحال الوفاة وقيل النصف بمعنى الصنف قال الشاعر إذا مت كان الناس نصفان شامت وآخر مثن بالذي كنت أصنع وقيل إن العلم يستفاد بالنص تارة وبالقياس أخرى وعلم الفرائض مستفاد من النص وقيل غير ذلك
وقال عمر رضي الله تعالى عنه إذا تحدثتم فتحدثوا في الفرائض وإذا لهوتم فالهوا في الرمي واشتهر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعلم الفرائض أربعة علي و ابن عباس و زيد و ابن مسعود ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة وما اختلفوا إلا وقعوا فرادى ثلاثة في جانب وواحد في جانب واختار الشافعي رضي الله تعالى عنه مذهب زيد لأنه أقرب إلى القياس ولقوله صلى الله عليه وسلم أفرضكم زيد
وعن القفال أن زيدا لم يهجر له قول بل جميع أقواله معمول بها بخلاف غيره
ومعنى اختياره لمذهبه أنه نظر في أدلته فوجدها مستقيمة فعمل بها لا أنه قلده كما قاله ابن الرفعة في مطلبه لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا
وذكرت في شرح التنبيه أنه اجتمع في اسم زيد أصول الفرائض وغالب قواعدها
وعرف بعضهم علم الفرائض بأنه الفقه المتعلق بالإرث ومعرفة الحساب الموصل إلى معرفة ذلك ومعرفة قدر الواجب من التركة لكل ذي حق
فخرج بالإرث العلم المتعلق بالصلاة مثلا فلا يسمى علم الفرائض
وعلم الفرائض يحتاج كما نقله القاضي عن الأصحاب إلى ثلاثة علوم علم الفتوى بأن يعلم نصيب كل وارث من التركة وعلم النسب بأن يعلم الوارث من الميت بالنسب وكيفية انتسابه للميت وعلم الحساب بأن يعلم من أي حساب تخرج المسألة وحقيقة مطلق الحساب أنه علم بكيفية التصرف في عدد لاستخراج مجهول من معلوم
(يبدأ) وجوبا (من تركة الميت) وهي ما يخلفه فتصدق بما تركه من خمر صار خلا بعد موته ومن شبكة نصبها فوقع فيها بعد موته صيد فيورث ذلك عنه وكذلك الدية المأخوذة في قتله بناء على الأصح من دخولها في ملكه قبيل موته كما قاله الزركشي
ونظر بعضهم في الصورة الثانية فالتعبير بالتركة أولى من التعبير بالمال المتخلف
وعلق ب يبدأ قوله (بمؤنة تجهيزه) بالمعروف بحسب يساره وإعساره ولا عبرة بما كان عليه في حياته من إسرافه وتقتيره وهي ما يحتاج إليه الميت من كفن وحنوط وأجرة تغسيل وحفر وغير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته كفنوه في ثوبيه ولم يسأل هل عليه دين أو لا لاحتياجه إلى ذلك كما تقدم حاجته من ملبس وقوت يوم القسمة على حقوق الغرماء
وإنما يدفع للوارث ما يستغني عنه المورث ولأنه إذا كان يترك للحي عند فلسه دست ثوب يليق به فالميت أولى أن يستر ويوارى لأن الحي يعالج ويسعى لنفسه والميت قد انقطع علاجه وسعيه بموته
ويبدأ أيضا بمؤنة تجهيز من على الميت مؤنته إن كان مات في حياته كما في الروضة في الفلس عن نص الشافعي واتفاق الأصحاب
ويستثنى من إطلاق المصنف المرأة المزوجة وخادمها فتجهيزهما على زوج غني عليه نفقتهما كما مر في الجنائز وكالزوجة البائن الحامل
(ثم تقضي) منها (ديونه) المتعلقة بذمته من رأس المال سواء أذن الميت في ذلك أم لا لزمته لله تعالى أم لآدمي لأنها حقوق واجبة عليه
ويقدم دين الله تعالى كالزكاة والكفارة والحج على دين الآدمي في الأصح
أما المتعلقة بعين التركة فستأتي (ثم) تنفذ (وصاياه) وما ألحق بها من عتق علق بالموت وتبرع نجز في مرض الموت أو ألحق به لقوله تعالى {من بعد وصية يوصي بها أو دين}
(من ثلث الباقي) بعد إخراج دينه كما نبه عليه المصنف ب ثم وحكى القرطبي في تفسيره الإجماع عليه
فإن قيل ما الحكمة في تقديم الوصية في الآية على الدين مع أنه مقدم أجيب بأن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض كان في إخراجها مشقة على الوارث فقدمت حثا على إخراجها ولأن الوصية غالبا تكون لضعاف فقوى جانبها بالتقديم في الذكر لئلا يطمع فيها ويتساهل بخلاف الدين فإن فيه من القوة ما يغنيه عن التقوية بذلك
تنبيه قول المصنف من ثلث الباقي قد يوهم أنه لو استغرق الدين التركة لم تنفذ الوصية ولم يحكم بانعقادها حتى لو تبرع متبرع بقضاء الدين أو أبرأه المستحق منه لا تنفذ الوصية حينئذ وليس مرادا بل يحكم بانعقادها وتنفذ حينئذ كما ذكره الرافعي في باب الوصية
فإن قيل الوصية في الآية مطلقة فلماذا اعتبرت من الثلث أجيب بأنها قيدت بالسنة في قوله
____________________

الصفحة 3