كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 3)
صلى الله عليه وسلم الثلث والثلث كثير ( ثم يقسم الباقي ) من التركة ( بين الورثة ) على ما يأتي بيانه
تنبيه قد يوهم كلامه أن الملك لا ينتقل للوارث إلا بعد وفاء الدين والوصية وليس مرادا بل الملك في الجميع ينتقل للوارث بمجرد الموت على الأصح لأن الأصح أن تعلق الدين بالتركة لا يمنع الإرث وإنما يمنع التصرف فتكون التركة بكمالها كالمرهونة بالدين وإن قل
وكما نورث الأموال تورث الحقوق وضبطه المتولي بكل حق لازم تعلق بالمال كحق الخيار والشفعة بخلاف حق الرجوع في الهبة واعترضه المصنف في المجموع بأنه غير جامع لخروج أشياء منه كحد القذف والقصاص والنجاسات المنتفع بها كالكلب والسرجين وجلد الميتة
( قلت ) كالرافعي في الشرح ( فإن تعلق بعين التركة حق كالزكاة ) أي كالمال الذي وجبت فيه لأنه كالمرهون بها ( والجاني ) لتعلق أرش الجناية برقبته ( والمرهون ) لتعلق حق المرتهن به ( والمبيع ) بثمن في الذمة ( إذا مات المشتري مفلسا ) بثمنه ولم يتعلق بالمبيع حق لازم ككتابة سواء أحجر على المشتري قبل موته أم لا لتعلق حق فسخ البائع به ( قدم ) ذلك الحق ( على مؤنة تجهيزه ) وتجهيز ممونه ( والله أعلم ) تقديما لحق صاحب التعلق على حقه كما في حال الحياة وليست صور التعلق منحصرة في المذكورات كما أشار إليه بالكاف في أولها والحاصر لها التعلق بالعين فمنها ما إذا مات رب المال قبل قسمة مال القراض فإن حق العامل يقدم على مؤنة التجهيز لتصريحهم هناك بأن حقه يتعلق بالعين فإذا أتلفه المالك إلا قدر حصة العامل ومات ولم يترك غيره تعين للعامل
ومنها المكاتب إذا أدى نجوم الكتابة ومات سيده قبل الإيتاء والمال أو بعضه باق كما سيأتي في بابه
ومنها المعتدة عن الوفاة بالحمل سكناها مقدم على التجهيز
وذكرت صورا أخرى مع نظم فيها مع إشكال للسبكي في صورتي الزكاة ومبيع المفلس والجواب عنه في شرح التنبيه
واعلم أن الإرث يتوقف على ثلاثة أمور وجود أسبابه وشروطه وانتفاء موانعه
وقد شرع المصنف في بيان الأمر الأول فقال ( وأسباب الإرث ) باستقراء أدلة الشرع ( أربعة ) فلا إرث بغيرها من مؤاخاة وغيرها مما مر
أولها ( قرابة ) وهي الرحم فيرث بها بعض الأقارب من بعض في فرض وتعصيب على ما يأتي تفصيله
( و ) ثانيها ( نكاح ) صحيح ولو بلا وطء فيرث به كل من الزوجين الآخر في فرض فقط ( و ) ثالثها ( ولاء ) وهي عصوبة سببها نعمة المعتق مباشرة أو سراية أو شرعا كعتق أصله وفرعه كما سيأتي في محله فيرث به المعتق في تعصيب فقط
أما القرابة والنكاح فللآية
وأما الولاء فلقوله صلى الله عليه وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب صححه ابن حبان والحاكم شبه الولاء بالنسب والنسب يورث به فكذا الولاء
( فيرث المعتق العتيق ) للخبر السابق ( ولا عكس ) أي لا يرث العتيق المعتق حيث تمحض كونه عتيقا وإلا فقد يتصور الإرث بالولاء من الطرفين في مسألتين إحداهما إذا أعتق ذمي ذميا ثم استلحق السيد بدار الحرب فاسترقه عتيقه ثم أعتقه ثم أسلما فكل منهما عتيق الآخر ومعتقه فيثبت لكل منهما الولاء على الآخر مباشرة فيتوارثان
الثانية أعتق شخص عبدا فاشترى العتيق أبا معتقه فأعتقه ثبت لكل منهما الولاء على الآخر السيد بالمباشرة والعتيق بالسراية وهذا مما يلغز به فيقال لنا شخصان لكل منهما الولاء على الآخر
وقد يختص التوارث بأحد الجانبين في القرابة أيضا كابن الأخ يرث عمته ولا عكس
ولما كانت الأسباب الثلاثة خاصة لم يفرد كلا منها بالذكر ولما كان الرابع عاما أفرده فقال ( والرابع الإسلام ) أي جهته فإنها الوارثة كالنسب لا المسلمون بدليل ما لو أوصى بثلث ماله للمسلمين ولا وارث له فإنها تصح ولو كان الورثة هم المسلمون لم تصح فلما صحت دلت على أن الوارث الجهة
( فتصرف التركة ) أي تركة المسلم أو باقيها كما سيأتي ( لبيت المال ) لا مصلحة كما قيل بل ( إرثا ) للمسلمين عصوبة ( إذا لم يكن وارث بالأسباب الثلاثة ) المتقدمة أو كان ولم يستغرق لقوله صلى الله عليه وسلم أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه رواه
____________________
الصفحة 4
468