كتاب مغني المحتاج - الفكر (اسم الجزء: 3)

وهو صب اللبن في الأنف ليصل الدماغ يحرم أيضا ( على المذهب ) لحصول التغذي بذلك لأن الدماغ جوف له كالمعدة
والطريق الثاني فيه قولان كالحقنة المذكورة في قوله ( لا حقنة ) وهي ما يدخل في الدبر أو القبل من دواء فلا يحرم ( في الأظهر ) لانتفاء التغذي لأنها لإسهال ما انعقد في المعدة
والثاني تحرم كما يحصل بها الفطر
ودفع بأن الفطر يتعلق بالوصول إلى جوف وإن لم يكن معدة ولا دماغا بخلافه هنا ولهذا لم يحرم التقطير في الأذن أو الجراحة إذا لم يصل إلى المعدة ولا بد أن يكون من منفذ مفتوح فلا يحرم وصوله إلى جوف أو معدة بصبه في العين بواسطة المسام
ثم شرع في الركن الثالث وهو الرضيع فقال ( وشرطه ) أي ركنه ( رضيع ) وله شروط شرع في ذكرها بقوله ( حي ) حياة مستقرة فلا أثر لوصول اللبن إلى جوف الميت بالاتفاق لخروجه عن التغذية ونبات اللحم وكذا إذا انتهى إلى حركة مذبوح فإن حكمه حكم الميت
تنبيه لو قال المصنف وشرطه حياة رضيع لاستغنى عما قدرته
( لم يبلغ سنتين ) بالأهلة فإن انكسر الشهر الأول ثم عدده ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين فإن بلغهما لم يحرم ارتضاعه لقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } جعل تمام الرضاعة في الحولين فأفهم بأن الحكم بعد الحولين بخلافه ولخبر لا رضاع إلا ما كان في الحولين رواه الدارقطني وغيره وما في مسلم أن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضعيه أي خمس رضعات حتى يدخل عليك فهو رخصة خاصة بسالم كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه
وقال ابن المنذر ليس يخلو أند يكون منسوخا أو خاصا بسالم كما قالت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن بالخاص والعام والناسخ والمنسوخ أعلم
تنبيه ابتداء الحولين من تمام انفصال الرضيع كما في نظائره فإن ارتضع قبل تمامه لم يؤثر وقول الزركشي والأشبه ترجيح التأثير لوجود الرضاع حقيقة وهو قياس ما صححه فيمن انفصل بعضه فحز جان رقبته وهو حي من أنه يضمن بالقود أو الدية وعليه تحسب المدة من حين ارتضع ممنوع لما فيه من ارتكاب إحداث قول ثالث إذ المحكي في ابتداء المدة وجهان ابتداء الخروج وانتهاؤه وبذلك فارق مسألة الحز مع أنها خارجة عن نظائرها على اضطراب فيها استصحابا للضمان في الجملة إذ الجنين يضمن بالغرة
وكلام المصنف يقتضي أنه لو تم الحولان في الرضعة الأخيرة لا تحريم وهو ظاهر نص الأم وغيره ولكن المذهب كما في التهذيب وجرى عليه ابن المقري أنه لا يحرم لأن ما يصل إلى الجوف في كل رضعة غير مقدر كما لو قالوا لم يحصل في جوفه إلا خمس قطرات في كل رضعة قطرة حرم
( وخمس رضعات ) لما روى مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن أي يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ لقربه
وقيل يكفي رضعة واحدة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك لعموم قوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم }
وأجاب الأول بأن السنة تثبت كآية السرقة
ولم يأخذ الشافعي رضي الله تعالى عنه في هذا بقاعدته وهي الأخذ بأقل ما قيل لأن شرط ذلك عنده أن لا يجد دليلا سواه والسنة ناصة على الخمس لأن عائشة رضي الله عنها لما أخبرت أن التحريم بالعشرة منسوخ بالخمس دل على ثبوت التحريم بالخمس لا بما دونها ولو وقع التحريم بأقل منها بطل أن يكون الخمس ناسخا وصار منسوخا كالعشر
فإن قيل القرآن لا يثبت بخبر الواحد فلا يحتج به
أجيب بأنه وإن لم يثبته قرآنا بخبر الواحد لكن ثبت حكمه والعمل به فالقراءة الشاذة منزل منزلة الخبر
وقيل يكفي ثلاث رضعات لمفهوم خبر مسلم لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان وإنما قدم مفهوم الخبر الأول على هذا لاعتضاده بالأصل وهو عدم التحريم
ولا يشترط اتفاق صفات الرضعات بل لو أوجر مرة وسعط مرة وارتضع مرة وأكل مما صنع منه مرتين ثبت التحريم
قيل الحكمة في كون التحريم بخمس أن الحواس التي هي سبب الإدراك خمس

____________________

الصفحة 416