كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 3)

{جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون (18) وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قَالَ يَا بشرى هَذَا غُلَام وأسروه بضَاعَة وَالله عليم بِمَا يعْملُونَ (19) وشروه بِثمن}
وَرُوِيَ أَن بَعضهم قَالُوا: قَتله اللُّصُوص، فَاخْتَلَفُوا على يَعْقُوب فَاتَّهمهُمْ بِهِ و {قَالَ بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم} يَعْنِي: كَذبْتُمْ، بل زينت لكم أَنفسكُم {أمرا} والتسويل: التزيين، وَقَوله: {فَصَبر جميل} مَعْنَاهُ: فأمري صَبر جميل. وَقيل: فَصَبر جميل أختاره. وَالصَّبْر الْجَمِيل: هُوَ الَّذِي لَا شكوى فِيهِ وَلَا جزع. وَقَوله: {وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} مَعْنَاهُ: وَالله الْمُسْتَعَان على الصَّبْر على مَا تكذبون.
وَفِي الْقِصَّة: أَنهم ذَهَبُوا وَجَاءُوا بذئب وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي أكل ولدك، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب: يَا ذِئْب! أكلت وَلَدي وَثَمَرَة فُؤَادِي؟ فأنطقه الله تَعَالَى وَقَالَ: بِاللَّه مَا رَأَيْت وَجه ابْنك قطّ، فَقَالَ: فَكيف وَقعت بِأَرْض كنعان؟ فَقَالَ: جِئْت لصلة قرَابَة. أوردهُ النقاش فِي تَفْسِيره، وَالله أعلم.
وَاخْتلفُوا فِي مَوضِع الْبِئْر الَّذِي أدلي فِيهَا يُوسُف؛ قَالَ قَتَادَة: هِيَ بِئْر بَيت الْمُقَدّس. وَقيل: إِنَّهَا بِئْر بِأَرْض الْأُرْدُن، وَقَالَ مقَاتل: بِئْر مَعْرُوفَة، كَانَت بَين منزل يَعْقُوب وَبَينهَا ثَلَاثَة فراسخ، وَالله أعلم.
قَوْله تَعَالَى: {وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه} السيارة: هم الْقَوْم المسافرون، سموا سيارة لأَنهم يَسِيرُونَ فِي الأَرْض. وَقَوله: {فأرسلوا واردهم} والوارد: هُوَ الَّذِي يقدم الْقَوْم ليستقي المَاء من الْبِئْر. قَالَ الْأَصْمَعِي: تَقول الْعَرَب: أدليت الدَّلْو إِذا أرسلتها فِي الْبِئْر، ودليتها إِذا نزعتها من الْبِئْر. وَقَوله {قَالَ (يَا بشراي} هَذَا غُلَام) فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا - وَهُوَ أظهر الْقَوْلَيْنِ -: أَن معنى قَوْله: {يَا بشراي} أَي: أَبْشِرُوا، هَذَا غُلَام. ذكره الْفراء والزجاج.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه نَادَى صَاحبه - وَكَانَ اسْمه بشرى - فَقَالَ: يَا بشراي، هَذَا غُلَام أَي: يَا فلَان، هَذَا غُلَام. ذكره الْأَعْمَش وَالسُّديّ.

الصفحة 16