كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 3)

{تَأْوِيل الْأَحَادِيث وَالله غَالب على أمره وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ (21) وَلما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ (22) وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن}
وَالْقَوْل الثَّانِي: وَالله غَالب على أَمر يُوسُف بِالتَّدْبِيرِ والحياطة حَتَّى يبلغهُ مُنْتَهى علمه فِيهِ. وَقَوله: {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} ظَاهر.
قَوْله تَعَالَى: {وَلما بلغ أشده} الْأَكْثَرُونَ على أَن الأشد: ثَلَاث وَثَلَاثُونَ سنة وإليها تَنْتَهِي، يَعْنِي: قُوَّة الشَّبَاب. وَقيل: ثَلَاثُونَ سنة. وَقيل: من تَمام [ثَمَانِي عشرَة] سنة إِلَى أَرْبَعِينَ. وَسُئِلَ مَالك عَن الأشد، فَقَالَ: هُوَ الْحلم.
وَقَوله {آتيناه حكما وعلما} أَي: فقها وعقلا. وَقيل: الحكم: النُّبُوَّة، وَالْعلم: هُوَ الْفِقْه فِي الدّين. وَالْفرق بَين الْحَكِيم والعالم: أَن الْعَالم هُوَ الَّذِي يعلم الْأَشْيَاء، والحكيم: هُوَ الَّذِي يعلم بِمَا يُوجِبهُ الْعلم. وَقيل: هُوَ الَّذِي يمْنَع نَفسه عَمَّا يجهله ويسفهه، وَمِنْه حِكْمَة الدَّابَّة؛ لِأَنَّهَا تمنع الدَّابَّة عَن الْفساد. قَالَ الشَّاعِر:
(أبني حنيفَة أحكموا سفهاءكم ... إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا)
يَعْنِي: امنعوا سفهاءكم.
وَقَوله: {وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ} ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: {وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن نَفسه} معنى المراودة: طلب الْفِعْل، وَالْمرَاد هَاهُنَا: هُوَ الدُّعَاء إِلَى الْفَاحِشَة. وَقَوله: {وغلقت الْأَبْوَاب} يَعْنِي: أطبقت الْأَبْوَاب واستوثقت مِنْهَا، وَيُقَال: إِنَّهَا غلقت سَبْعَة أَبْوَاب. وَقَوله: {وَقَالَت هيت لَك} مَعْنَاهُ: هَلُمَّ، وعَلى هَذَا أَكثر الْمُفَسّرين. وَقيل: مَعْنَاهُ: تعال أَنا لَك. وقريء: " هيت لَك " أَي: تهيأت لَك. وَأنكر الْكسَائي هَذِه الْقِرَاءَة. قَالَ الشَّاعِر فِي قَوْله هيت:
(أبلغ أَمِير الْمُؤمنِينَ ... أَخا الْعرَاق إِذا أَتَيْنَا)
(أَن الْعرَاق وَأَهله ... عنق إِلَيْك فهيت هيتا)

الصفحة 20