كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)
قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} الْآيَتَيْنِ فَكَرَّرَ فِيهَا ثَمَانِيَةَ ضَمَائِرَ كُلُّهَا عَائِدٌ عَلَى لَفْظِ [مَنْ] وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى مَعْنَاهَا مَعَ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى الْكَثْرَةِ.
وَقَدْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَعْنَاهَا فِي الْجَمِيعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} . وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْبَدَاءَةِ بِاللَّفْظِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ هُوَ الْكَثِيرُ قَالَ الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ: ولم يجيء فِي الْقُرْآنِ الْبَدَاءَةُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا ومحرم على أزواجنا} فَأَنَّثَ [خَالِصَةٌ] حَمْلًا عَلَى مَعْنَى [مَا] ثُمَّ رَاعَى اللَّفْظَ فَذَكَّرَ وَقَالَ: {وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} .
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَتِمُّ مَا قَالَهُ مِنَ الْبَدَاءَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى فِي ذلك إذا كان ان الضمير الذي في الصلة التي فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ يُقَدَّرُ مُؤَنَّثًا أَمَّا إِذَا قُدِّرَ مُذَكَّرًا فَالْبَدَاءَةُ إِنَّمَا هُوَ بِالْحَمْلِ عَلَى اللَّفْظِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى أَمْرٌ يَرْجِعُ إِلَى الْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّةِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَمْرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي اللَّفْظِ وإذا كان كذلك صدق أنه إنما بدىء فِي الْآيَةِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى فَيَتِمُّ كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ ابْنِ عُصْفُورٍ: أَنَّ الْكُوفِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ إِلَّا بِفَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْبَصْرِيُّونَ الْفَاصِلَ، قَالَ: وَلَمْ يَرِدِ السَّمَاعُ إِلَّا بِالْفَاصِلِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْكُوفِيُّونَ. وَنَازَعَهُ الشَّيْخُ أَثِيرُ الدِّينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا لَنْ يدخل.
الصفحة 383