كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

أَصْلُهُ لَنْ يَتُوبُوا فَلَنْ يَكُونَ لَهُمْ قَبُولُ تَوْبَةٍ فَأُوثِرَ الْإِلْحَاقُ ذَهَابًا إِلَى انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ وَهُوَ قَبُولُ التَّوْبَةِ الْوَاجِبُ فِي حُكْمِهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ على البغاء إن أردن تحصنا} ، معلوم أَنَّهُ لَا إِكْرَاهَ عَلَى الْفَاحِشَةِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ تَحَصُّنًا لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
ونظيره: {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} ، وَأَكْلُ الرِّبَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا لَكِنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى سَبَبٍ وَهُوَ فِعْلُهُمْ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ مَقَامُ تَشْنِيعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ بِالْكَثِيرِ أَلْيَقُ.
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} الْآيَةَ، الْمَعْنَى آمَنَّا بِاللَّهِ دُونَ الْأَصْنَامِ وَسَائِرِ مَا يُدْعَى إِلَيْهِ دُونَهَا إِلَّا أَنَّهُمْ نَفَوُا الْإِيمَانَ بِالْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَلِهَذَا إِنَّهُ لَمَّا رَدَّ بِقَوْلِهِ: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} بَعْدَ إِثْبَاتِهِ إِيمَانَهُمْ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَا اخْتِيَارِيٌّ أَوْجَبَ أَلَّا يَكُونَ الْكَلَامُ مَسُوقًا لِنَفْيِ أُمُورٍ يُرَاعَى فِيهَا الْحَصْرُ وَالتَّقْيِيدُ كَقَوْلِهِ: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} فَإِنَّهُ لَمْ يُقَدِّمِ الْمَفْعُولَ فِي [آمَنَّا] حَيْثُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَرُكِّبَ تَرْكِيبًا يُوهِمُ إِفْرَادَ الْإِيمَانِ بِالرَّحْمَنِ عَنْ سَائِرِ مَا يَلْزَمُ من الإيمان.
وقوله: {يتكبرون في الأرض بغير الحق} ، فَقِيلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَهِيَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ وَقِيلَ التَّكَبُّرُ قَدْ يَكُونُ بِحَقٍّ وَهُوَ التَّنَزُّهُ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالدَّنَايَا وَالتَّبَاعُدُ مِنْ فِعْلِهَا.
وَأَمَّا قوله: {والإثم والبغي بغير الحق} فَإِنْ أُرِيدَ بِالْبَغْيِ الظُّلْمُ كَانَ قَوْلُهُ {بِغَيْرِ الْحَقِّ} تَأْكِيدًا وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الطَّلَبُ كَانَ قيدا.

الصفحة 401