كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

قَاعِدَةٌ.
اعْلَمْ أَنَّ نَفْيَ الْعَامِّ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْخَاصِّ وَثُبُوتَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ وَثُبُوتَ الْخَاصِّ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْعَامِّ وَلَا يَدُلُّ نَفْيُهُ عَلَى نَفْيِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ زِيَادَةَ الْمَفْهُومِ مِنَ اللَّفْظِ تُوجِبُ الِالْتِذَاذَ بِهِ فَلِذَلِكَ كَانَ نَفْيُ الْعَامِّ أَحْسَنَ مِنْ نَفْيِ الْخَاصِّ وَإِثْبَاتُ الْخَاصِّ أَحْسَنَ مِنْ إِثْبَاتِ الْعَامِّ.
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بنورهم} وَلَمْ يَقُلْ: [بِضَوْئِهِمْ] بَعْدَ قَوْلِهِ: [أَضَاءَتْ] لِأَنَّ النُّورَ أَعَمُّ مِنَ الضَّوْءِ إِذْ يُقَالُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ الضَّوْءُ عَلَى النُّورِ الْكَثِيرِ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشمس ضياء والقمر نورا} فَفِي الضَّوْءِ دَلَالَةٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ النُّورِ وَعَدَمُهُ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الضَّوْءِ لِاسْتِلْزَامِ عَدَمِ الْعَامِّ عَدَمَ الْخَاصِّ فَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْأَوَّلِ وَالْغَرَضُ إِزَالَةُ النُّورِ عَنْهُمْ أَصْلًا أَلَا تَرَى ذِكْرَهُ بَعْدَهُ. {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ} .
وَهَاهُنَا دَقِيقَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ قَالَ: {ذَهَبَ اللَّهُ بنورهم} وَلَمْ يَقُلْ: [أَذْهَبَ نُورَهُمْ] لِأَنَّ الْإِذْهَابَ بِالشَّيْءِ إِشْعَارٌ لَهُ بِمَنْعِ عَوْدَتِهِ بِخِلَافِ الذَّهَابِ إِذْ يُفْهَمُ مِنَ الْكَثِيرِ اسْتِصْحَابُهُ فِي الذَّهَابِ وَمُقْتَضَى منعه من الرجوع.
ومنه قوله تعالى: {يا قوم ليس بي ضلالة} وَلَمْ يَقُلْ: [ضَلَالٌ] كَمَا قَالُوا:.

الصفحة 402