كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

يَعْنِي لَا تَغْلِبُهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَا يَغْلِبُهُ الْقَلِيلُ وَلَا الْكَثِيرُ مِنَ النَّوْمِ وَالْأَخْذُ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَسِيرُ مَأْخُوذًا وَأَخِيذًا وَزِيدَتْ [لَا] فِي قَوْلِهِ: {وَلَا نَوْمٌ} لِنَفْيِهِمَا عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْلَاهَا لَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَإِذَا ذُكِرَتْ صِفَاتٌ فَإِنْ كَانَتْ لِلْمَدْحِ فَالْأَوْلَى الِانْتِقَالُ فِيهَا مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى لِيَكُونَ الْمَدْحُ مُتَزَايِدًا بِتَزَايُدِ الْكَلَامِ فيقولون: فقيه عالم وشجاع باسل وجواد فياض وَلَا يَعْكِسُونَ هَذَا لِفَسَادِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ الْأَبْلَغُ لَكَانَ الثَّانِي دَاخِلًا تَحْتَهُ فَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ مَعْنًى وَلَا يُوصَفُ بِالْعَالِمِ بَعْدَ الْوَصْفِ بِالْعَلَّامِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأُدَبَاءُ فِي الْوَصْفِ بِالْفَاضِلِ وَالْكَامِلِ أَيُّهُمَا أَبْلَغُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:.
ثَالِثُهُمَا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ قَالَ الْأُقْلِيشِيُّ: وَالْحَقُّ أَنَّكَ مَهْمَا نَظَرْتَ إِلَى شَخْصٍ فَوَجَدْتَهُ مَعَ شَرَفِ الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ كَرِيمَ الْأَخْلَاقِ وَالسَّجَايَا مُعْتَدِلَ الْأَفْعَالِ وَصَفْتَهُ بِالْكَمَالِ وَإِنْ وَجَدْتَهُ وَصَلَ إِلَى هَذِهِ الرُّتَبِ بِالْكَسْبِ وَالْمُجَاهَدَةِ وَإِمَاطَةِ الرَّذَائِلِ وَصَفْتَهُ بِالْفَضْلِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُمَا مُتَضَادَّانِ فَلَا يُوصَفُ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بِهِمَا إِلَّا بِتَجَوُّزٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} إِنَّمَا قُدِّمَ الْغَيْبُ مَعَ أَنَّ عِلْمَ الْمُغَيَّبَاتِ أَشْرَفُ مِنَ الْمُشَاهَدَاتِ وَالتَّمَدُّحَ بِهِ أَعْظَمُ وَعِلْمُ الْبَيَانِ يَقْتَضِي تَأْخِيرَ الْأَمْدَحِ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُشَاهَدَاتِ لَهُ أَكْثَرُ مِنَ الْغَائِبِ عَنَّا وَالْعِلْمُ يَشْرُفُ بِكَثْرَةِ مُتَعَلَّقَاتِهِ فَكَانَ تَأْخِيرُ الشَّهَادَةِ أَوْلَى.
وَقَوْلُ الشَّيْخِ: إِنَّ الْمُشَاهَدَاتِ لَهُ أَكْثَرُ فِيهِ نَظَرٌ بل في غيبه ما لايحصى: {ويخلق

الصفحة 405