كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

الْخَامِسُ: إِخْرَاجُ مَا لَا قُوَّةَ لَهُ فِي الصِّفَةِ إِلَى مَا لَهُ قُوَّةٌ فِيهَا كَقَوْلِهِ: {وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام} وَالْجَامِعُ فِيهِمَا الْعِظَمُ وَالْفَائِدَةُ الْبَيَانُ عَنِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْخِيرِ الْأَجْسَامِ الْعِظَامِ فِي أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَاءِ.
وَعَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ تَجْرِي تَشْبِيهَاتُ الْقُرْآنِ.
التَّقْسِيمُ الثَّالِثُ.
يَنْقَسِمُ إِلَى مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ:.
وَالْمُرَكَّبُ: أَنْ يُنْزَعَ مِنْ أُمُورٍ مَجْمُوعٍ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يحمل أسفارا} فالتشبيه مركب من أحوال الحمار وذلك هو حَمْلَ الْأَسْفَارِ الَّتِي هِيَ أَوْعِيَةُ الْعِلْمِ وَخَزَائِنُ ثَمَرَةِ الْعُقُولِ ثُمَّ لَا يُحْسِنُ مَا فِيهَا وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَحْمَالِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْعِلْمِ فِي شَيْءٍ فَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يَحْمِلُ حَظٌّ سِوَى أَنَّهُ يَثْقُلُ عَلَيْهِ وَيُتْعِبُهُ.
وَقَوْلُهُ: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا} .
وَقَوْلِهِ: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ من السماء} قَالَ بَعْضُهُمْ: شَبَّهَ الدُّنْيَا بِالْمَاءِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا أَخَذْتَ مِنْهُ فَوْقَ حَاجَتِكَ تَضَرَّرْتَ وَإِنْ أَخَذْتَ قَدَرَ الْحَاجَةِ انْتَفَعْتَ بِهِ فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا. وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمَاءَ إِذَا أَطْبَقْتَ كَفَّكَ عَلَيْهِ لِتَحْفَظَهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَشْبِيهَهَا بالماء وحده بل المراد تشبيهه بهجةالدنيا فِي قِلَّةِ الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ بِأَنِيقِ النَّبَاتِ الَّذِي يَصِيرُ بَعْدَ تِلْكَ الْبَهْجَةِ وَالْغَضَاضَةِ وَالطَّرَاوَةِ إِلَى ما ذكر.

الصفحة 422