كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات ولا المسيء} وَتَارَةً لَا يُصَرِّحُ بِهِ بَلْ يَجِيءُ مَطْوِيًّا عَلَى سُنَنِ الِاسْتِعَارَةِ كَقَوْلِهِ: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أجاج} ، {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} الْآيَةَ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالَّذِي عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ أَنَّ التَّمْثِيلَيْنِ جَمِيعًا مِنْ جُمْلَةِ التَّمْثِيلَاتِ الْمُرَكَّبَةِ لا المفردة بيانه أَنَّ الْعَرَبَ تَأْخُذُ أَشْيَاءَ فُرَادَى [مَعْزُولًا بَعْضُهَا من بعض لم يأخذ هذا بحجزه ذاك] فَتُشَبِّهُهَا بِنَظَائِرِهَا كَمَا ذَكَرْنَا، وَتُشَبِّهُ كَيْفِيَّةً حَاصِلَةً مِنْ مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ تَضَامَّتْ حَتَّى صَارَتْ شَيْئًا وَاحِدًا بِأُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التوراة} الْآيَةَ.
وَنَظَائِرُهُ مِنْ حَيْثُ اجْتَمَعَتْ تَشْبِيهَاتٌ كَمَا فِي تَمْثِيلِ اللَّهِ حَالَ الْمُنَافِقِينَ أَوَّلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَبْلَغُهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى فَرْطِ الْحَيْرَةِ وَشِدَّةِ الْأَمْرِ وَفَظَاعَتِهِ وَلِذَلِكَ أُخِّرَ قَالَ وَهُمْ يَتَدَرَّجُونَ فِي نَحْوِ هَذَا مِنَ الْأَهْوَنِ إِلَى الْأَغْلَظِ.
الثَّانِيَةُ: أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّشْبِيهِ فِي الْأَبْلَغِيَّةِ تَرْكُ وَجْهِ الشَّبَهِ وَأَدَاتِهِ نَحْوَ زَيْدٌ أَسَدٌ أَمَّا تَرْكُ وَجْهِهِ وَحْدَهُ فَكَقَوْلِهِ زَيْدٌ كَالْأَسَدِ وَأَمَّا تَرْكُ أَدَاتِهِ وَحْدَهَا فَكَقَوْلِهِ: زَيْدٌ الْأَسَدُ شِدَّةً.
وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ "الْمِفْتَاحِ" إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَرْكَ وَجْهِ الشَّبَهِ أَبْلَغُ مِنْ تَرْكِ أَدَاتِهِ قَالَ: لِعُمُومِ وَجْهِ الشبه.

الصفحة 424