كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

وأما قوله تعالى: {مثل نوره كمشكاة} فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى لِكَوْنِهِ فِي الذِّهْنِ أَوْضَحَ إِذِ الْإِحَاطَةُ بِهِ أَتَمُّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} فَهُوَ مِنْ تَشْبِيهِ الْغَرِيبِ بِالْأَغْرَبِ لِأَنَّ خَلْقَ آدم مِنْ خَلْقِ عِيسَى لِيَكُونَ أَقْطَعَ لِلْخَصْمِ وَأَوْقَعَ فِي النَّفْسِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ وَهُوَ رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ لِشَبَهٍ مَا لِأَنَّ عِيسَى رُدَّ إِلَى آدَمَ لِشَبَهٍ بَيْنَهُمَا وَالْمَعْنَى أَنَّ آدَمَ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ وَلَا أُمٌّ فَكَذَلِكَ خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ.
وَقَوْلُهُ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مسندة} شَبَّهَهُمْ بِالْخُشُبِ لِأَنَّهُ لَا رُوحَ فِيهَا وَبِالْمُسَنَّدَةِ لِأَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ بِالْخَشَبِ فِي حَالِ تَسْنِيدِهِ.
الْخَامِسَةُ: الْأَصْلُ دُخُولُ أَدَاةِ التَّشْبِيهِ عَلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الْكَامِلُ كَقَوْلِكَ: لَيْسَ الْفِضَّةُ كَالذَّهَبِ وَلَيْسَ الْعَبْدُ كَالْحُرِّ وَقَدْ تَدْخُلُ عَلَى الْمُشَبَّهِ لِأَسْبَابٍ:.
مِنْهَا وُضُوحُ الْحَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ الذكر كالأنثى} فَإِنَّ الْأَصْلَ وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْأَصْلِ لِأَنَّ مَعْنَى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ} الَّذِي طَلَبَتْ {كَالْأُنْثَى} الَّتِي وُهِبَتْ لَهَا لِأَنَّ الْأُنْثَى أَفْضَلُ مِنْهُ وَقِيلَ: لِمُرَاعَاةِ الْفَوَاصِلِ لِأَنَّ قَبْلَهُ: {إني وضعتها أنثى} .
وَوَهِمَ ابْنُ الزَّمْلَكَانِيُّ فِي "الْبُرْهَانِ" حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ هَذَا مِنَ التَّشْبِيهِ الْمَقْلُوبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَى.

الصفحة 426