كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

وَمَثَلُنَا فِي الدُّعَاءِ وَالْإِرْشَادِ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ فَحَذَفَ الْمَثَلَ الثَّانِيَ اكْتِفَاءً بِالْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ: {سَرَابِيلَ تقيكم الحر} .
وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْمَعْنَى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمُ الْأَصْنَامَ وَهِيَ لَا تَعْقِلُ وَلَا تَسْمَعُ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ وَعَلَى هَذَا فَالنِّدَاءُ وَالدُّعَاءُ مُنْتَصِبَانِ بِـ[يَنْعِقُ] وَ [لَا] تَوْكِيدٌ لِلْكَلَامِ وَمَعْنَاهَا الْإِلْغَاءُ.
رَابِعُهَا: أَنَّ الْمَعْنَى وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَائِهِمُ الْأَصْنَامَ وَعِبَادَتِهِمْ لَهَا وَاسْتِرْزَاقِهِمْ إِيَّاهَا كَمِثَالِ الرَّاعِي الَّذِي ينعق بغنمه وَيُنَادِيهَا فَهِيَ تَسْمَعُ نِدَاءً وَلَا تَفْهَمُ مَعْنَى كَلَامِهِ فَيُشَبِّهُ مَنْ يَدْعُوهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ مِنْ دُونِ اللَّهِ بِالْغَنَمِ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْقِلُ الْخِطَابَ.
وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَيَفْتَرِقَانِ فِي أَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي ضَرْبَ الْمَثَلِ بِمَا لَا يَسْمَعُ الدُّعَاءَ وَالنِّدَاءَ جُمْلَةً وَيَجِبُ صَرْفُهُ إِلَى غَيْرِ الْغَنَمِ وَهَذَا يَقْتَضِي ضَرْبَ الْمَثَلِ بِمَا لَا يَسْمَعُ الدُّعَاءَ وَالنِّدَاءَ جُمْلَةً وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْهُمَا وَالْأَصْنَامُ - مِنْ حَيْثُ كَانَتْ لَا تَسْمَعُ الدُّعَاءَ جُمْلَةً - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَاعِيهَا وَنَادِيهَا أَسْوَأَ حَالًا مِنْ مُنَادِي الْغَنَمِ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّرِيفُ الْمُرْتَضَى فِي كِتَابِ "غُرَرِ الْفَوَائِدِ".
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صر..} الْآيَةَ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّشْبِيهُ عَلَى الْحَرْثِ الَّذِي أهلكته الريح قِيلَ فِيهِ إِضْمَارٌ أَيْ مَثَلُ إِهْلَاكِ مَا يُنْفِقُونَ كَمَثَلِ إِهْلَاكِ رِيحٍ.
قَالَ ثَعْلَبٌ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ كَمَثَلِ حَرْثِ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَصَابَتْهُ رِيحٌ فِيهَا صِرٌّ فَأَهْلَكَتْهُ.

الصفحة 430