كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

الأول: استعارة حسي لحسي بوجه لحسي كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فَإِنَّ الْمُسْتَعَارَ مِنْهُ هُوَ النَّارُ وَالْمُسْتَعَارَ لَهُ هُوَ الشَّيْبُ وَالْوَجْهُ هُوَ الِانْبِسَاطُ فَالطَّرَفَانِ حِسِّيَّانِ وَالْوَجْهُ أَيْضًا حِسِّيٌّ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّشْبِيهَ وَذَكَرَ الْمُشَبَّهَ وَذَكَرَ الْمُشَبَّهَ بِهِ مَعَ لَازِمٍ مِنْ لَوَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ الِاشْتِعَالُ.
وَقَوْلِهِ: {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض} ، أَصْلُ الْمَوْجِ حَرَكَةُ الْمِيَاهِ فَاسْتُعْمِلَ فِي حَرَكَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ.
الثَّانِي: حِسِّيٍّ لِحِسِّيٍّ بِوَجْهٍ عَقْلِيٍّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} فَالْمُسْتَعَارُ لَهُ الرِّيحُ وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ الْمَرْأَةُ وَهُمَا حِسِّيَّانِ وَالْوَجْهُ الْمَنْعُ مِنْ ظُهُورِ النَّتِيجَةِ وَالْأَثَرِ وَهُوَ عَقْلِيٌّ وَهُوَ أَيْضًا اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ.
قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعَقِيمَ صِفَةٌ لِلْمَرْأَةِ لَا اسْمٌ لَهَا وَلِهَذَا جُعِلَ صِفَةً لِلرِّيحِ لَا اسْمًا وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُسْتَعَارَ مِنْهُ مَا فِي الْمَرْأَةِ مِنَ الصِّفَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنَ الْحَبَلِ وَالْمُسْتَعَارُ لَهُ مَا فِي الرِّيحِ مِنَ الصِّفَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إِنْشَاءِ مَطَرٍ وإلقاح شجر [والجامع لهما ما ذكر] .
وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِالْعِنَايَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ الْمُسْتَعَارُ مِنْهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِالْعَقِيمِ ذكرها السكاكي بلفظ ما صدق عليه.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ منه النهار} ، الْمُسْتَعَارُ لَهُ ظُلْمَةُ النَّهَارِ مِنْ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَالْمُسْتَعَارُ مِنْهُ ظُهُورُ الْمَسْلُوخِ عِنْدَ جِلْدَتِهِ وَالْجَامِعُ عَقْلِيٌّ وَهُوَ تَرَتُّبُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.

الصفحة 441