كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

وكان الأنصار يقولون: {راعنا} أي أرعنا سمعنا وَانْظُرْ إِلَيْنَا وَالْكُفَّارُ يَقُولُونَهَا [فَاعِلٌ] مِنَ الرُّعُونَةِ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هِيَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَلَمَّا عُوتِبُوا قَالُوا: إِنَّمَا نَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُسْلِمُونَ فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وهو الولي الحميد} فقوله: [الولي] هو من أسماء الله وَمَعْنَاهُ الْوَلِيُّ لِعِبَادِهِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَقَوْلُهُ: [الْحَمِيدُ] يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ [حَامِدٍ] لِعِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ أَوْ [مَحْمُودٍ] فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَطَرِ وَهُوَ مَطَرُ الرَّبِيعِ وَالْحَمِيدُ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْغَيْثِ.
وَقَوْلُهُ: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فأنساه الشيطان ذكر ربه} ، فَإِنَّ لَفْظَةَ [رَبِّكَ] رَشَّحَتْ لَفْظَةَ [رَبِّهِ] لِأَنْ يكون تَوْرِيَةً إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا الْإِلَهَ سُبْحَانَهُ وَالْمَلِكَ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: {فَأَنْسَاهُ الشيطان ذكر ربه} ولم تَدُلَّ لَفْظَةُ رَبِّهِ إِلَّا عَلَى الْإِلَهِ فَلَمَّا تقدمت لفظة [ربك] احتمل المعنيين.
تنبيه:.
[في الفرق بين التورية والاستخدام] .
كثيرا ما تلتبس التورية بالاستخدام والفراق بينهما أن التورية استعمال الْمَعْنَيَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَإِهْمَالُ الْآخَرِ وَفِي الِاسْتِخْدَامِ اسْتِعْمَالُهُمَا مَعًا بِقَرِينَتَيْنِ.

الصفحة 446