كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

وإنما قال: {يذرون} ولم يقل: يتركون، ويخلفون لِذَلِكَ. انْتَهَى.
وَعَنِ الشَّيْخِ كَمَالِ الدِّينِ بْنِ الزَّمْلَكَانِيِّ أَنَّهُ أَجَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِأَنَّ التَّجْنِيسَ تَحْسِينٌ وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَقَامِ الْوَعْدِ وَالْإِحْسَانِ وَهَذَا مَقَامُ تَهْوِيلٍ وَالْقَصْدُ فِيهِ الْمَعْنَى فَلَمْ يَكُنْ لِمُرَاعَاةِ اللَّفْظَةِ فَائِدَةٌ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} .
الْمِثَالُ الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كنا صادقين} قَالَ: مَعْنَاهُ: وَمَا أَنْتَ مُصَدِّقٌ لَنَا فَيُقَالُ: مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الْجِنَاسِ وَهَلَّا قِيلَ: [وَمَا أَنْتَ بِمُصَدِّقٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ] فَإِنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْأَوَّلِ مَعَ زِيَادَةِ رِعَايَةِ التَّجْنِيسِ اللَّفْظِيِّ؟.
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي [مُؤْمِنٍ لَنَا] مِنَ الْمَعْنَى مَا لَيْسَ فِي [مُصَدِّقٍ] وَذَلِكَ أَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: مُصَدِّقٌ لِي، فَمَعْنَاهُ: قَالَ لِي: صَدَقْتَ وَأَمَّا [مُؤْمِنٌ] فَمَعْنَاهُ مَعَ التَّصْدِيقِ إِعْطَاءُ الْأَمْنِ وَمَقْصُودُهُمُ التَّصْدِيقُ وَزِيَادَةٌ وَهُوَ طلب الأمن فلهذا عدل إليه.
فتأمل هذا اللَّطَائِفَ الْغَرِيبَةَ وَالْأَسْرَارَ الْعَجِيبَةَ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْإِعْجَازِ!.
فَائِدَةٌ.
قَالَ الْخَفَاجِيُّ: إِذَا دَخَلَ التَّجْنِيسَ نَفْيٌ عُدَّ طِبَاقًا كَقَوْلِهِ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} ، لأن [الذين لايعلمون] هم الجاهلون قال: وفي هذا يختلط التجينس بالطباق.

الصفحة 454