كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

مشتركا بين الإعطاء والتقى والتصديق وجعل ضِدَّهُ وَهُوَ التَّعْسِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَضْدَادِ تِلْكَ الْأُمُورِ وَهِيَ الْمَنْعُ وَالِاسْتِغْنَاءُ وَالتَّكْذِيبُ.
وَمِنْهُ: {فِي جنة عالية قطوفها دانية} قَابَلَ بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالدُّنُوِّ.
وَقَوْلُهُ: {فِيهَا سُرُرٌ مرفوعة وأكواب موضوعة} .
وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} ، فَذَكَرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَهُمَا ضِدَّانِ ثُمَّ قَابَلَهُمَا بِضِدَّيْنِ وَهُمَا الْحَرَكَةُ وَالسُّكُونُ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ عَبَّرَ عَنِ الْحَرَكَةِ بِلَفْظِ [الْإِرْدَافِ] فَاسْتَلْزَمَ الْكَلَامُ ضربا من المحاسن زائدة عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَعَدَلَ عَنْ لَفْظِ الْحَرَكَةِ إِلَى لَفْظِ [ابْتِغَاءِ الْفَضْلِ] لِكَوْنِ الْحَرَكَةِ تَكُونُ لِلْمَصْلَحَةِ دُونَ الْمَفْسَدَةِ وَهِيَ تَسِيرُ إِلَى الْإِعَانَةِ بِالْقُوَّةِ لكون الحركة وَحُسْنِ الِاخْتِيَارِ الدَّالِّ عَلَى رَجَاحَةِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ الْحِسِّ وَإِضَافَةِ الظَّرْفِ إِلَى تِلْكَ الْحَرَكَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَاقِعَةٌ فِيهِ لِيَهْتَدِيَ الْمُتَحَرِّكُ إِلَى بُلُوغِ الْمَأْرَبِ.
وَمِنَ الطِّبَاقِ الْمَعْنَوِيِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لمرسلون} مَعْنَاهُ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا لَصَادِقُونَ.
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء} ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ فِي [الْحُجَّةِ] : لَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ رَفْعًا لِلْمَبْنِيِّ قُوبِلَ بِالْفِرَاشِ الَّذِي هُوَ عَلَى خِلَافِ الْبِنَاءِ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى مَا فِيهِ ارْتِفَاعٌ فِي نَصِيبِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَدَرًا.

الصفحة 456