كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

الْمُثَلَّثِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّشْكِيلَاتِ الْعَجِيبَةِ والترتيبات البديعة ثم أورد أمثل مِنْ ذَلِكَ.
مِثَالُ مُقَابَلَةِ النَّظِيرَيْنِ مُقَابَلَةُ السِّنَةِ وَالنَّوْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نوم} لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا مِنْ بَابِ الرُّقَادِ الْمُقَابَلِ بِالْيَقَظَةِ.
وقوله: {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود} ، وَهَذِهِ هِيَ مُقَابَلَةُ النَّقِيضَيْنِ أَيْضًا ثُمَّ السِّنَةُ وَالنَّوْمُ بِانْفِرَادِهِمَا مُتَقَابِلَانِ فِي بَابِ النَّظِيرَيْنِ وَمَجْمُوعِهِمَا يقابلان النَّقِيضَ الَّذِي هُوَ الْيَقَظَةُ.
وَمِثَالُ مُقَابَلَةِ الْخِلَافَيْنِ مُقَابَلَةُ الشَّرِّ بِالرَّشَدِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أم أراد بهم ربهم رشدا} ، فَقَابَلَ الشَّرَّ بِالرَّشَدِ وَهُمَا خِلَافِيَّانِ وَضِدُّ الرَّشَدِ الْغَيُّ وَضِدُّ الشَّرِّ الْخَيْرُ وَالْخَيْرُ الَّذِي يُخْرِجُهُ لَفْظُ الشَّرِّ ضِمْنًا نَظِيرُ الرَّشَدِ قَطْعًا وَالْغَيُّ الَّذِي يُخْرِجُهُ لَفْظُ الرَّشَدِ ضِمْنًا نَظِيرُ الشَّرِّ قطعا حَصَلَ مِنْ هَذَا الشَّكْلِ أَرْبَعَةُ أَلْفَاظٍ نُطْقَانِ وَضِمْنَانِ فَكَانَ بِهِمَا رُبَاعِيَّانِ.
وَهَذَا الشَّكْلُ الرُّبَاعِيُّ يقع في تفسيره علىوجوه فَقَدْ يَرِدُ وَبَعْضُهُ مُفَسَّرٌ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ يَرِدُ وَكُلُّهُ مُفَسَّرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى} فقابل {صدق} بـ[كذب] و {صلى} الَّذِي هُوَ أَقْبَلَ بِـ {تَوَلَّى} .
قَوْلُهُ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سلاما سلاما} ، اللغو في الحثيثة الْمُنْكَرَةِ وَالتَّأْثِيمُ فِي الْحَيْثِيَّةِ النَّاكِرَةِ وَاللَّغْوُ مَنْشَأُ الْمُنْكَرِ وَمَبْدَأُ دَرَجَاتِهِ وَالتَّأْثِيمُ مَنْشَأُ التَّكَبُّرِ وَمَبْدَأُ دَرَجَاتِهِ فَلَا نَكِيرَ إِلَّا بَعْدَ مُنْكَرٍ وَلَا اعْتِقَادَ إِنْكَارٍ إِلَّا بَعْدَ اعْتِقَادِ تَأْثِيمٍ وَمَنْشَأُ اللَّغْوِ فِي أَوَّلِ طَرَفِ الْمَكْرُوهَاتِ وَآخِرُهُ فِي طَرَفِ الْمَحْظُورَاتِ وَمَبْدَأِ التَّأْثِيمِ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} فَقَابَلَ الْإِفْسَادَ بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ وَسَفْكَ الدِّمَاءِ بِالتَّقْدِيسِ.

الصفحة 459