كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

الثَّالِثُ: أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ الْمُقَدَّمَاتِ ثُمَّ بِجَمِيعِ الثَّوَانِي مُرَتَّبَةً مِنْ آخِرِهَا، وَيُسَمَّى رَدَّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هم فيها خالدون} .
الرَّابِعُ: أَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ الْمُقَدَّمَاتِ ثُمَّ بِجَمِيعِ الثَّوَانِي مُخْتَلِطَةً غَيْرَ مُرَتَّبَةٍ، وَيُسَمَّى اللَّفَّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ الله قريب} فنسبة قوله: {متى نصر الله} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} كَنِسْبَةِ قَوْلِهِ: {يَقُولُ الرَّسُولُ} إِلَى {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَصْدُرَانِ عَنْ مُتَبَايِنَيْنِ.
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين} فَنِسْبَةُ قَوْلِهِ: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي يريدون وجهه} إلى قوله: {فتكون من الظالمين} كَنِسْبَةِ قَوْلِهِ: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شيء وما من حسابك عليهم} إلى قوله: {فتطردهم} فَجَمَعَ الْمُقَدَّمَيْنِ التَّالِيَيْنِ بِالِالْتِفَاتِ.
وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ مِنْ أَقْسَامِ التَّقَابُلِ مُقَابَلَةَ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ وَهُوَ ضَرْبَانِ:.
مُقَابِلٌ فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا} .

الصفحة 461