كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

ورضوان من الله} ، قَابَلَ الْجَنَّاتِ وَالْأَنْهَارَ وَالْخُلْدَ وَالْأَزْوَاجَ وَالتَّطْهِيرَ وَالرِّضْوَانَ بإزاء النِّسَاءِ فِي الدُّنْيَا وَخَتَمَ بِالْحَرْثِ وَهُمَا طَرَفَانِ مُتَشَابِهَانِ وَفِيهِمَا الشَّهْوَةُ وَالْمَعَاشُ الدُّنْيَاوِيُّ وَأَخَّرَ ذِكْرَ الْأَزْوَاجِ كَمَا يَجِبُ فِي التَّرْتِيبِ الْأُخْرَوِيِّ وَخَتَمَ بِالرِّضْوَانِ.
فَائِدَةٌ.
قَدْ يَجِيءُ نَظْمُ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْمُقَابَلَةِ فِي الظَّاهِرِ وَإِذَا تُؤُمِّلَ كَانَ مِنْ أَكْمَلِ الْمُقَابَلَاتِ وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ:.
مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تضحى} فَقَابَلَ الْجُوعَ بِالْعُرْيِ وَالظَّمَأَ بِالضَّحَى وَالْوَاقِفُ مَعَ الظَّاهِرِ رُبَّمَا يُحِيلُ أَنَّ الْجُوعَ يُقَابَلُ بِالظَّمَأِ وَالْعُرْيَ بِالضَّحَى.
وَالْمُدَقِّقُ يَرَى هَذَا الْكَلَامَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْفَصَاحَةِ لِأَنَّ الْجُوعَ أَلَمُ الْبَاطِنِ وَالضَّحَى مُوجِبٌ لِحَرَارَةِ الظَّاهِرِ فَاقْتَضَتِ الْآيَةُ جَمِيعَ نَفْيِ الْآفَاتِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَقَابَلَ الْخُلُوَّ بِالْخُلُوِّ وَالِاحْتِرَاقَ بِالِاحْتِرَاقِ.
وَهَاهُنَا مَوْضِعُ الْحِكَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ الْمُتَنَبِّي وَسَيْفِ الدَّوْلَةِ لَمَّا أَنْشَدَهُ:
وَقَفْتَ وَمَا فِي الْمَوْتِ شَكٌّ لِوَاقِفٍ ... كَأَنَّكَ فِي جَفْنِ الرَّدَى وَهُوَ نَائِمُ

الصفحة 465