كتاب البرهان في علوم القرآن (اسم الجزء: 3)

مجذوذ} أَيْ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ، لِيُعْلَمَ أَنَّ عَطَاءَهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَهَذِهِ الْمَعَانِي زَائِدَةٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ اللُّغَوِيِّ.
وَقِيلَ: وَجْهُ الِاسْتِثْنَاءِ فِيهِ الْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى مَنْزِلَةٍ أَعْلَى كَالرِّضْوَانِ وَالرُّؤْيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ:.
*وَإِنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذَلِكَ مَظْهَرًا*
وَصَوَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الِاسْتِثْنَاءَ الْأَوَّلَ لِخُرُوجِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الزَّمْهَرِيرِ أَوْ إِلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْعَذَابِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ مِنْ تَخْلِيدِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فِي النَّارِ وَجَعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ دَالًّا عَلَى نَجَاةِ أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْعَذَابِ فَكَأَنَّهُ تَصَوَّرَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الثَّانِيَ لَمَّا لَمْ يُحْمَلْ عَلَى انْقِطَاعِ النَّعِيمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَطَاءً غير مجذوذ} فَكَذَا الِاسْتِثْنَاءُ الْأَوَّلُ لَا يُحْمَلُ عَلَى انْقِطَاعِ عَذَابِ الْجَحِيمِ لِتَنَاسُبِ أَطْرَافِ الْكَلَامِ.
وَقَالَ: مَعْنَى قوله: {إن ربك فعال لما يريد} عَقِبَ الِاسْتِثْنَاءِ الْأَوَّلِ فِي مُقَابَلَةِ قَوْلِهِ: {عَطَاءً غير مجذوذ} عَقِبَ الثَّانِي، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ بِأَهْلِ النَّارِ مَا يُرِيدُ مِنَ الْعَذَابِ كَمَا يُعْطِي لِأَهْلِ الْجَنَّةِ عَطَاءَهُ الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لَهُ.
قِيلَ: وَمَا أَصْدَقَ فِي سِيَاقِ الزَّمَخْشَرِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلُ الْقَائِلِ:.
*حَفِظْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ*
وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ الْإِخْرَاجُ عَنْ حُكْمِ مَا قَبْلَهُ وَلَا مُوجِبَ للعدول.

الصفحة 50