كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

سدرانة وبهلولة ومديونة فَفرض عَلَيْهِم الْخراج وَفرق فيهم الْعمَّال ثمَّ فرض على أَمْصَار الْمغرب مثل فاس ومكناسة وتازا وَقصر كتامة ضريبة مَعْلُومَة يؤدونها على رَأس كل حول على أَن يكف الْغَارة عَنْهُم وَيصْلح سابلتهم
ثمَّ لما كَانَت سنة عشْرين وسِتمِائَة غزا بِلَاد فازاز وَمن بهَا من ظواعن زناتة فأثخن فيهم حَتَّى أذعنوا للطاعة وَقبض أَيْديهم عَن إذابة النَّاس بالغارات والنهب فِي الطرقات
ثمَّ فِي سنة إِحْدَى وَعشْرين بعْدهَا غزا عرب ريَاح أهل أزغار وبلاد الهبط فأثخن فيهم حَتَّى كَاد يَأْتِي عَلَيْهِم وَلم يزل دأبه ذَلِك من تدويخ بِلَاد الْمغرب وأقطاره حَتَّى هلك باغتيال علج لَهُ كَانَ رباه صَغِيرا فشب وسول لَهُ الشَّيْطَان الفتك بِهِ فترصد غرته وطعنه بِحَرْبَة فِي منحره فَمَاتَ لوقته سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ
وَكَانَ ذَا نجدة وشجاعة وعزم وكرم وإيثار مكرما للفقهاء وَأهل الصّلاح سالكا فِي ذَلِك سنَن أَبِيه رَحمَه الله
الْخَبَر عَن رياسة الْأَمِير أبي معرف مُحَمَّد بن عبد الْحق رَحمَه الله

لما هلك الْأَمِير أَبُو سعيد قَامَ بِالْأَمر بعده أَخُوهُ أَبُو معرف مُحَمَّد بن عبد الْحق فاقتفى سنَن أخبه فِي تدويخ بِلَاد الْمغرب وَأخذ الضريبة من أمصاره وجباية المغارم من باديته وَبعث الرشيد بن الْمَأْمُون صَاحب مراكش قائده أَبَا مُحَمَّد بن وانودين لِحَرْب بني مرين وَعقد لَهُ على مكناسة فأجحف بِأَهْلِهَا فِي المغارم ثمَّ نزل بَنو مرين فِي بعض الأحيان بنواحيها وأجلبوا عَلَيْهَا فَنَادَى أَبُو مُحَمَّد فِي عسكره وَخرج إِلَيْهِم فدارت بَينهم حَرْب شَدِيدَة هلك فِيهَا خلق من الْجَانِبَيْنِ وبارز مُحَمَّد بن إِدْرِيس بن عبد الْحق قائدا من قواد الفرنج فاختلفا ضربتين هلك العلج بِإِحْدَاهُمَا وجرح مُحَمَّد بِالْأُخْرَى فاندمل جرحه وَصَارَ أثرا فِي وَجهه لقب من أَجله بِأبي ضَرْبَة ثمَّ شدّ بَنو مرين على الْمُوَحِّدين فانكشفوا وَرجع بن وانودين إِلَى مكناسة مفلولا
المعونة بالأبدان وَلم يكف المَال فَإِن النَّاس يجبرون على التعاون بأبدانهم على الْأَمر الدَّاعِي للمعونة بِشَرْط الْقُدْرَة وَتعين الْمصلحَة والافتقار إِلَى ذَلِك انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ وَالله تَعَالَى أعلم
مقتل أبي الصخور الخمسي وَمَا كَانَ من أمره

لما رَجَعَ السُّلْطَان مُحَمَّد بن عبد الله من فاس إِلَى مكناسة أَقَامَ بهَا يَسِيرا ثمَّ خرج إِلَى جبال غمارة بِسَبَب مَا بلغه عَن المرابط أبي عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ الخمسي الْمَعْرُوف بِأبي الصخور وَكَانَ لَهُ صيت وشهرة بقبائل الْجَبَل وَكَانَ يظْهر التنسك وَالْعِبَادَة وَيَزْعُم أَنه يستخدم الْجِنّ فَكَانَ للعامة فِيهَا اعْتِقَاد كَبِير ثمَّ صَار يَقُول للنَّاس هَذَا السُّلْطَان لَا تطول مدَّته فَأَخذه السُّلْطَان وَقَتله وَبعث بِرَأْسِهِ إِلَى فاس وَولى على قبائل غمارة والأخماس وَتلك النواحي الباشا العياشي وأنزله بِمَدِينَة شفشاون وقفل إِلَى مكناسة فَدَخلَهَا مَرِيضا فاتح محرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وَألف فَقَالَ المرجفون مَا أَصَابَهُ الْمَرَض إِلَّا من قَتله لأبي الصخور وَقَالُوا إِنَّه قد صدق فِي قَوْله لَا تطول مدَّته فعافى الله السُّلْطَان وأكذب ظن الشَّيْطَان وَأقَام السُّلْطَان بمكناسة إِلَى أَن انْسَلَخَ الْمحرم وَدخل صفر فَعَاد إِلَى مراكش بعد أَن أَمر بِنَقْل عبيد السلوقية إِلَى مكناسة وضمهم إِلَى إخْوَانهمْ واستصحب مَعَه إِلَى مراكش من رجالتهم ألفا فَلَمَّا دَخلهَا أَعْطَاهُم الْخَيل وَالسِّلَاح والكسي وعادوا إِلَى مكناسة ثمَّ قدم عَلَيْهِ مِنْهُم ألف آخر فأركبهم وكساهم وَاسْتمرّ حَاله مَعَهم على هَذَا إِلَى أَن استوفوا خيلهم وسلاحهم وكساهم وَلم يسألهم عَمَّا كَانَ فِي أَيْديهم أَيَّام الفترة
أثمانها فأنعشهم وجدد رسمهم وقواهم بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاح والجرايات حَتَّى صلح أَمرهم وَذهب فَقرهمْ
قَالَ صَاحب الْجَيْش وَحَاصِل الْأَمر أَن هَذَا السُّلْطَان رَحمَه الله وجد الدولة قد ترادفت عَلَيْهَا الهزاهز وَصَارَت بعد حسن الشبيبة إِلَى قبح الْعَجَائِز قد تفانت رجالها وضاق مجالها وَذَلِكَ من وقْعَة ظيان إِلَى موت السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فَلَمَّا جَاءَ الله بِهَذَا السُّلْطَان الْمُؤَيد لم يجد بهَا إِلَّا رمقا قَلِيلا وخيالا عليلا قد وهت دعائمها وأشرفت على الانهدام المفضي إِلَى حَالَة الانعدام فأمده الله بضروب السَّعَادَة الخارقة للْعَادَة فَقَامَ بأعبائها بِلَا مَال وَلَا رجال والعناية من الله تساعده والفشل يباعده حَتَّى أَقَامَ بِنَاء الْملك الْإِسْمَاعِيلِيّ على أساسه ورد روحه إِلَى الْجَسَد بعد خمود أنفاسه وَلما قضى رَحمَه الله أربه من مكناسة صرف عزمه إِلَى آيت يمور وَكَانُوا نازلين بجبل سلفات وبالولجة الطَّوِيلَة من عهد السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله فعفوا وكثروا وأطغاهم نزولهم بِتِلْكَ الأَرْض العجيبة ذَات الْمزَارِع الخصيبة فأضروا بجيرانهم من أهل زرهون وَأهل الغرب وَغَيرهم فَأمر السُّلْطَان رَحمَه الله الْقَائِد أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن يشو الْمَالِكِي العروي أَن يحتال فِي كيادهم والإيقاع بهم فَفعل وَقبض على نَحْو الأربعمائة مِنْهُم وَبعث بهم إِلَى السُّلْطَان ثمَّ نقلهم السُّلْطَان إِلَى حوز مراكش وَسَار إِلَى رِبَاط الْفَتْح فاحتل بِهِ وَعقد لِأَخِيهِ الْمولى الْمَأْمُون بن هِشَام على مراكش وولاه عَلَيْهَا مَكَان الْمولى مبارك بن عَليّ
ثمَّ خرج السُّلْطَان من رِبَاط الْفَتْح قَاصِدا مراكش فَمر بقبائل الشاوية وساس أَمرهم بِمَا اقْتَضَاهُ الْحَال وَقتل الْهَاشِمِي بن الْعَبَّاس الزياني وَكَانَ هَذَا قد قتل قَائِد الشاوية أَبَا إِسْحَاق إِبْرَاهِيم الوراوي احتال عَلَيْهِ بِأَن دَعَاهُ للاصطياد فَلَمَّا خلا بِهِ رَمَاه برصاصة فَقتله بالموضع الْمَعْرُوف بتادارت قرب مديونة فَأمر السُّلْطَان رَحمَه الله بالهاشمي أَن تضرب عُنُقه بذلك الْموضع وَذَلِكَ بعد أَن ولاه على قبيلته مُدَّة ثمَّ مر بقبائل دكالة فأوقع بالعونات وَتقدم إِلَى مراكش فَلَمَّا دَخلهَا بعث من جَاءَ بِمُحَمد بن سُلَيْمَان الفاسي موقد نَار

الصفحة 10