كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
التَّقْيِيد على الْمُدَوَّنَة وَكَانَ رَحمَه الله قد شدد على أهل الفسوق والمناكر فسيق إِلَيْهِ ذَات يَوْم هَذَا الأندلسي وَهُوَ سَكرَان فَأمر الْعُدُول فاستروحوه واشتموا مِنْهُ رَائِحَة الْخمر وأدوا شَهَادَتهم على ذَلِك فَأمْضى القَاضِي حكم الله فِيهِ وَجلده الْحَد فاضطرم الأندلسي غيظا وَتعرض للوزير عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب الوطاسي وَيُقَال لَهُ رحو بِاللِّسَانِ الزناتي فكشف لَهُ عَن ظَهره يرِيه أثر السِّيَاط وينعي عَلَيْهِ سوء هَذَا الْفِعْل مَعَ رسل الدول فضجر الْوَزير من ذَلِك وأخذته الْعِزَّة بالإثم وَلَعَلَّه كَانَ فِي قلبه شَيْء على القَاضِي فَأمر وزعته بإحضاره على أَسْوَأ الْحَالَات وعزم على الْبَطْش بِهِ فتبادروا إِلَيْهِ واعتصم القَاضِي بِالْمَسْجِدِ الْجَامِع ونادى فِي الْمُسلمين فثارت الْعَامَّة بهم ومرج أَمر النَّاس وَقَامَت الْفِتْنَة على سَاق واتصل الْخَبَر بالسلطان فتلافى الْأَمر وأحضر أَصْحَاب الْوَزير فَضرب أَعْنَاقهم وشرد بهم من خَلفهم جزاه الله خيرا فأسرها الْوَزير فِي نَفسه وداخل الْحسن بن عَليّ بن أبي الطَّلَاق من بني عَسْكَر بن مُحَمَّد وَكَانَ من شُيُوخ بني مرين وَأهل الشورى فيهم وداخل قَائِد الفرنج غنصالوا الْمُنْفَرد برياسة الْعَسْكَر وشوكة الْجند وَكَانَ لهَؤُلَاء الفرنج بالوزير اخْتِصَاص بِحَيْثُ آثروه على السُّلْطَان فَدَعَاهُمْ لخلع طَاعَة السُّلْطَان أبي الرّبيع وبيعة عبد الْحق بن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عبد الْحق كَبِير الْقَرَابَة وَأسد الأعياص فَأَجَابُوهُ وَبَايَعُوا لَهُ وَتمّ أَمرهم وَلما كَانَ يَوْم السبت الثَّالِث وَالْعشْرُونَ من ربيع الآخر من سنة عشر وَسَبْعمائة فر الْوَزير الْمَذْكُور وقائده الفرنجي وَمن شايعهم على رَأْيهمْ فَخَرجُوا إِلَى ظَاهر الْبَلَد الجديدة وجاهروا بالخلعان وَأَقَامُوا الْآلَة والرسم وَبَايَعُوا سلطانهم عبد الْحق على عُيُون الْمَلأ وعسكروا بالعدوة القصوى من سبو ثمَّ سَارُوا إِلَى نَاحيَة تازا وَلما استقروا برباطها أخذُوا فِي جمع الجيوش ومكاتبة الْخَاصَّة من بني مرين وَالْعرب يَدعُونَهُمْ إِلَى بيعَة سلطانهم والمشايعة لَهُم على رَأْيهمْ وأوفدوا على أبي حمو مُوسَى بن عُثْمَان بن يغمراسن صَاحب تلمسان يَدعُونَهُ إِلَى المظاهرة على أَمرهم واتصال الْيَد والمدد بالعسكر وَالْمَال فتوقف أَبُو حمو وَلم يقدم وَلم يحجم وَبَقِي ينْتَظر عماذا ينجلي أَمرهم واتصل خبر ذَلِك كُله بالسلطان أبي
ريثما استراح ثمَّ بَعثه إِلَى رِبَاط الْفَتْح فاستوطنها ورتب لَهُ من الجراية مَا يَكْفِيهِ وَلما قدم الْكَاتِب ابْن عُثْمَان على السُّلْطَان ببيعة عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر وَاعْتذر لَهُ عَنهُ بِالْمرضِ قبل ظَاهر عذره وأرجأ أمره إِلَى يَوْم مَا
وَحكى صَاحب الْجَيْش أَن الْمولى هشاما لما قدم على السُّلْطَان بمراكش وَنزل بدار أَخِيه الْمولى الْمَأْمُون أَتَاهُ السُّلْطَان بعد ثَلَاث إِلَى منزله رَاجِلا لقرب الْمسَافَة وَلما التقيا تعانقا وتراحما ثمَّ جَاءَ مَعَه الْمولى هِشَام حَتَّى دخلا بُسْتَان النّيل من بَاب الرئيس وَنصب لَهُ السُّلْطَان كرسيا جلس عَلَيْهِ وَجلسَ هُوَ أَمَامه إعظاما لَهُ لكَونه أسن مِنْهُ ثمَّ صَار يستدعيه صباحا وَمَسَاء فيجلسان ويتحدثان ثمَّ يفترقان وَكَانَ لَا يتغدى وَلَا يتعشى إِلَّا وَهُوَ مَعَه وَكلما دخل عَلَيْهِ رفع مَجْلِسه وأجله وَإِذا ذكره لَا يذكرهُ إِلَّا بِلَفْظ الْأُخوة بِأَن يَقُول أخي الْمولى هِشَام دون سَائِر بني أَبِيه وَلما طلب الْمولى هِشَام مِنْهُ السُّكْنَى برباط الْفَتْح أَجَابَهُ إِلَيْهَا وَقضى مآربه وأزاح علله ثمَّ عَاد إِلَى مراكش فَكَانَت منيته بهَا كَمَا نذكرهُ
دُخُول الصويرة وأعمالها فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله
كَانَ من خبر دُخُول الصويرة وأعمالها فِي طَاعَة السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله أَن الْحَاج مُحَمَّد بن عبد الصَّادِق المسجيني وَهُوَ من عبيد الصويرة كَانَ قد قدم من الْحَج عامئذ فَمر على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وَهُوَ بالغرب فَدخل عَلَيْهِ فولاه على الصويرة وَكتب لَهُ الْعَهْد بذلك وَأمره بإخفائه حَتَّى يختبر حَال أَهلهَا وَيعلم أَيْن هواهم إِذْ كَانَ ذَلِك قبل أَن يطَأ السُّلْطَان بِلَاد الْحَوْز ويستولي عَلَيْهَا وَكَانَت الصويرة حِينَئِذٍ من جملَة النواحي الَّتِي إِلَى نظر عبد الرَّحْمَن بن نَاصِر وَمن فِي حزبه وَتَحْت غَلَبَة حاحة وعصبيتها وَكَانَ الْوَالِي بهَا يَوْمئِذٍ الْقَائِد أَبُو مَرْوَان عبد الْملك بن بيهي الحاحي وَكَانَت
من وقْعَة إيسلي مَعَ الفرنسيس ثمَّ جد فِيهِ فِي هَذِه الْأَيَّام فَجمع مِنْهُ مَا تيَسّر جمعه ثمَّ رتب المكوس على الْأَبْوَاب والمبيعات وَكتب فِي ذَلِك كتبا للآفاق فمما كتبه لأمناء مرسى الدَّار الْبَيْضَاء فِي ذَلِك مَا نَصه وَبعد فَإنَّا لما أَخذنَا فِي جمع النظام للْمصْلحَة المتعينة الْوَاضِحَة الْبَيِّنَة الْمقر أمرهَا لَدَى الْخَاص وَالْعَام وَاجْتمعَ مِنْهُ عدد يسير واختبرنا مَا صير عَلَيْهِ فِي شهر وَاحِد فَاجْتمع فِيهِ عدد كثير فَكيف أَن جَمعنَا مِنْهُ عددا مُعْتَبرا يحصل بِهِ المُرَاد وَيكون قذى فِي أعين أهل العناد اقْتضى الْحَال ذكر ذَلِك لكبراء التُّجَّار لينظروا فِيمَا يستعان بِهِ على أَمرهم إِذْ لَا بُد من كفايتهم وَإِلَّا انحل نظام جمعهم وَفِي ذَلِك مَا لَا يجهله من لَهُ أدنى عقل ومحبة فِي الدّين فأشاروا بِفَرْض إِعَانَة لَا ضررفيها على الرّعية وسطروها فِي ورقة وَهِي كل شَيْء بِالنِّسْبَةِ لما ارْتَكَبهُ الْمُلُوك فِي مثل هَذَا للاستعانة بِهِ على الْمصَالح المرعية وللضرورة أَحْكَام تخصها كَمَا هُوَ مَعْلُوم مُقَرر ومسطر فِي غير مَا ديوَان مُحَرر ثمَّ اقْتضى نَظرنَا أَن نسند الْأَمر فِي ذَلِك لأهل الْعلم ليقرروا للنَّاس حكمه تقريرا تَنْشَرِح لَهُ الصُّدُور وَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ فِي الْوُرُود والصدور وَإِن كَانَ جلهم يعلم هَذَا إِذْ من الْمَعْلُوم أَن الرّعية لَا يَسْتَقِيم أمرهَا إِلَّا بجند قوي بِاللَّه وَلَا جند إِلَّا بِمَال وَهُوَ لَا يكون إِلَّا من الرّعية على وَجه لَا ضَرَر فِيهِ وَقد أَخذ النَّاس هَذِه مُدَّة بحضرتنا الْعَالِيَة بِاللَّه وبمكناسة وتازا والعدوتين ومراكش فِي ذَلِك وسلكوا فِي ترتيبه أحسن المسالك وَلَا نشك أَن بركَة ذَلِك تعود عَلَيْهِم فِي أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ وأنفسهم فبوصول هَذَا إِلَيْكُم قومُوا على سَاق الْجد فِي الْقَبْض من النَّاس بِالْبَابِ على نَحْو مَا فِي الورقة الْمشَار إِلَيْهَا وَلَا دخل لِلنَّصَارَى فِي ذَلِك وَالله أسَال أَن يُبَارك للْمُسلمين فِي مَالهم ويعوضهم خلفا آمين وَالسَّلَام فِي الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب الْفَرد الْحَرَام عَام سَبْعَة وَسبعين وَمِائَتَيْنِ وَألف وَإِذا انجر بِنَا الْكَلَام على اتِّخَاذ الْعَسْكَر وترتيبه فَلَا بُد من تتميم الْفَائِدَة بِذكر كَلَام نَافِع
الصفحة 102