كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

خنقا وَقيل جوعا وَذهب فِي الذاهبين وَأَبوهُ أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْكِنَانِي هُوَ الَّذِي بَعثه السُّلْطَان يَعْقُوب بن عبد الْحق إِلَى الْمُسْتَنْصر الحفصي عِنْد فتح مراكش وَعَاد إِلَيْهِ مِنْهُ بالهدية صُحْبَة وَفد أهل تونس وتلطف أَبُو عبد الله الْكِنَانِي حَتَّى ذكر الْمُسْتَنْصر فِي الْخطْبَة على مِنْبَر مراكش وَفَرح الْوَفْد بذلك حَسْبَمَا تقدم الْخَبَر عَنهُ مُسْتَوفى وَنَشَأ ابْنه منديل هَذَا فِي ظلّ الدولة المرينية فَكَانَ من أمره مَا قصصناه عَلَيْك
وفادة أهل الأندلس على السُّلْطَان أبي سعيد واستصراخهم إِيَّاه على الطاغية وَمَا نَشأ عَن ذَلِك

كَانَ الْمُلُوك من بني مرين قد انْقَطع غزوهم عَن الأندلس بُرْهَة من الدَّهْر مُنْذُ دولة السُّلْطَان يُوسُف بن يَعْقُوب لاشتغاله فِي آخر أمره بحصار تلمسان واشتغال حفدته من بعده بِأَمْر الْمغرب مَعَ قصر مدتهم فتطاول الْعَدو وَرَاء الْبَحْر على الْمُسلمين بِسَبَب هَذِه الفترة وَاشْتَدَّ كَلْبه كَلْبه على ثغورها مَعَ أَن الْقَرَابَة من بني مرين كَانُوا شجى فِي صَدره وقذى فِي عَيْنَيْهِ فِي تِلْكَ الْبِلَاد حَسْبَمَا ألمعنا إِلَيْهِ غير مرّة وَلما أفْضى الْأَمر الى السُّلْطَان أبي سعيد اشْتغل فِي صدر دولته بِأَمْر ابْنه عَليّ وَخُرُوجه عَلَيْهِ فاهتبل الطاغية الْغرَّة فِي الأندلس وزحف فِي جموعه إِلَى غرناطة سنة ثَمَان عشرَة وَسَبْعمائة وَكَانَ من خبر هَذِه الْوَقْعَة أَن الطاغية بطرة بن سانجة وَيُقَال دون بطرة وَقد نبهنا على لَفظه دون فِيمَا سبق ذهب إِلَى طليطلة وَدخل على مرجعهم الَّذِي يُقَال لَهُ البابا وَسجد لَهُ وتضرع بَين يَدَيْهِ وَطلب مِنْهُ استئصال مَا بَقِي من الْمُسلمين بِأَرْض الأندلس وأكد عزمه وتأهب لذَلِك غَايَة الأهبة فوصلت أثقاله ومجانيقه وآلات الْحصار والأقوات فِي المراكب وَتقدم فِي جموعه حَتَّى نزل بأحواز غرناطة وَكَانَ رديفه فِي ذَلِك الْجند علجا آخر يُقَال لَهُ جوان وانضم إِلَيْهِم مُلُوك آخَرُونَ من مُلُوك الْأَطْرَاف قيل سَبْعَة وَقيل أَكثر وامتلأت الأَرْض بهم وعزموا على استئصال بَقِيَّة الْمُسلمين بالأندلس وَكَانَ جيشهم فِيمَا قيل يشْتَمل على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ ألفا من الفرسان وعَلى نَحْو مائَة ألف من الرجالة الْمُقَاتلَة
يحيى بِكَسْر الْيَاء الْأَخِيرَة فَاسْتَاقُوا ماشيتهم وَسَبْيهمْ وَقدمُوا بهما على السُّلْطَان فسرح السُّلْطَان السَّبي
ثمَّ دخلت سنة ثَمَان عشرَة وَثَمَانِينَ وَألف فِيهَا أغار آيت أدراسن على رفاق تافيلالت بطرِيق ملوية ونهبوا بعض القفل وَذَلِكَ بِسَبَب أَن السُّلْطَان كَانَ قد قبض على مُحَمَّد بن مُحَمَّد واعزيز وسجنه بالجزيرة وَولى عَلَيْهِم أَخَاهُ أَبَا عزة بن مُحَمَّد واعزيز فَلم يقبلوه وجمعوا كلمتهم على ابْن عَمه أبي عزة بن نَاصِر وَكَانَ منحرفا عَن السُّلْطَان ومفارقا لَهُ فولوه أَمرهم وَلما رأى السُّلْطَان اعوجاجهم سرح لَهُم مُحَمَّدًا واعزيز وولاه عَلَيْهِم وَأمره بِالْقَبْضِ على أبي عزة بن نَاصِر فَأبى فَغَضب السُّلْطَان عَلَيْهِ ثَانِيَة وهم بِهِ ففر مُحَمَّد واعزيز وكشف وَجه الْعِصْيَان فَنَهَضَ حِينَئِذٍ إِلَى آيت أدراسن فِي العساكر وَأرْسل إِلَى قبائل آيت ومالو أَن يأتوهم من خَلفهم وَتقدم هُوَ حَتَّى نزل بِقرب آعليل وَوَقعت الْحَرْب فنصر الله السُّلْطَان وَانْهَزَمَ آيت أدراسن ونهبت مَوَاشِيهمْ واحتوى البربر على حللهم وفر أَوْلَاد واعزيز الثَّلَاثَة برؤوسهم لآيت ومالو وشرعت العساكر فِي إِخْرَاج زُرُوعهمْ إِلَى أَن استصفوها وَأمر السُّلْطَان بهدم قصورهم فهدمت وَأعْطى كروان بِلَادهمْ وَرجع إِلَى فاس مظفرا منصورا ثمَّ لم يقم بهَا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى خرج إِلَى تازا وَترك عَامل فاس أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد اليموري بِبِلَاد الحياينة لقبض خراجهم وَلما احتل بتازا جهز العساكر إِلَى وَجدّة مَعَ الشَّيْخ عبد الله بن الْخضر لجباية قبائلها وجهز جَيْشًا آخر مَعَ عَامل سجلماسة أبي عبد الله مُحَمَّد الصريدي فَنزل ملوية وجبى قبائلها وطلع إِلَى بِلَاد الصَّحرَاء مَعَ أَوديتهَا إِلَى نَاحيَة فجيج فجبى أَمْوَال تِلْكَ النواحي ثمَّ توجه إِلَى سجلماسة فَفرق الْجَيْش على أقاليم صحرائها درعة والفائجة وتدغة وفركلة وغريس وزيز وَالْخَنْدَق ومدغرة والرتب فجبى أَمْوَال تِلْكَ الْقَبَائِل كلهَا وَقرر عماله ونوابه بِكُل إقليم مِنْهَا ومهد طَرِيق الصَّحرَاء وَرجعت عساكره منصورة
من ذِي الْقعدَة مِنْهَا توفّي والدنا الْفَقِيه المرابط الْأَخير أَبُو الْبَقَاء خَالِد بن حَمَّاد بن مُحَمَّد الْكَبِير الناصري بقبيلة سُفْيَان وَدفن بتربة الشَّيْخ أبي سلهام رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ رَحمَه الله من الْوَرع والتحري فِي أكل الْحَلَال على جَانب عَظِيم بِحَيْثُ فاق أَكثر أهل زَمَانه فِي ذَلِك وَكَانَ دينا وقورا كثيرالأوراد ذَا صمت وجد وَله إِلْمَام بالفقه والسيرة النَّبَوِيَّة مرجو الْبركَة عِنْد الْعَامَّة رحمنا الله وإياه وَالْمُسْلِمين
ثورة الجيلاني الروكي ومقتله

كَانَ الجيلاني الروكي من عرب سُفْيَان رجلا خامل الذّكر سَاقِط الْقدر حرفته رعي الْبَهَائِم وَنَحْو ذَلِك من عمل أهل الْبَادِيَة فَوكل بِهِ جني أَو شَيْطَان ففاه بالمخاريق وتبعته الْعَامَّة فثار بِبِلَاد كورت وَتقدم إِلَى دَار الْقَائِد عبد الْكَرِيم بن عبد السَّلَام بن عودة الْحَارِثِيّ السفياني فِي أخلاط من الأوباش بِالْعِصِيِّ والمقاليع فحاصر الْقَائِد الْمَذْكُور فِي دَاره من الظّهْر إِلَى الْغُرُوب ثمَّ اقتحم الْعَامَّة عَلَيْهِ دَاره فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا جمَاعَة من إخْوَته وَبني عَمه ونهبوا مَا وجدوا بداره وَكَانَ شَيْئا كثيرا من المَال والأثاث وَبَقِي أُولَئِكَ الْقَتْلَى مصرعين بِفنَاء الدَّار ثَلَاثَة أَيَّام لم يدفنوا وافتتنت الْعَامَّة بِهَذَا الروكي ونسبوا لَهُ الخوارق والكرامات من غير استناد إِلَى دَلِيل وَوَعدهمْ بِأَنَّهُ يستولي على الْملك وَيحكم المتمسكين بدعوته فِي الْأَمْوَال كَيفَ شاؤوا وضاعت نفوس فِي تِلْكَ الْفِتْنَة ونهبت أَمْوَال وَاخْتَلَطَ المرعى بالهمل وَكنت حَاضرا لهَذَا الْخطب الْعَظِيم فَكَانَ من افتتان الْعَامَّة بِهَذَا الْمَعْتُوه واعتقادهم فِيهِ وجهلهم الْمركب فِي أمره مَا لَا يكَاد يصدق بِهِ إِذا حُكيَ وَكَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله يَوْمئِذٍ برباط الْفَتْح فاهتز لهَذَا الْخطب لِأَن الشَّيْطَان كَانَ قد نفخ فِي أباطيل الروكي وشاعت فِي الْعَالم حَتَّى اهتز لَهَا النَّصَارَى الَّذين كَانُوا بتطاوين وَحَدثُوا أنفسهم بالفرار ثمَّ إِن السُّلْطَان رَحمَه الله أغراه أَخَاهُ الْمولى الرشيد فَلَمَّا سمع الروكي بمجيئه وعد أوباشه بِأَنَّهُ سينصر عَلَيْهِ وَأَن خيل السُّلْطَان

الصفحة 108