كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
أشهر وَزَاد فِي تحصينه ابْنه السُّلْطَان أَبُو عنان رحمهمَا الله تَعَالَى
وَأما ابْن الْأَحْمَر فَإِن أَوْلَاد عُثْمَان بن أبي الْعَلَاء شُيُوخ الْغَزْو بالأندلس لما رَأَوْا مَا حصل بَينه وَبَين السُّلْطَان أبي الْحسن من الْوِفَاق واتصال الْيَد خَافُوا أَن تعود موافقتهم بِالضَّرَرِ عَلَيْهِم إِذْ كَانُوا أَعدَاء للدولتين مَعًا أما دولة الْمغرب فبخروجهم عَلَيْهِم ومنابذتهم إيَّاهُم غير مرّة وَأما دولة الأندلس فباستحواذهم على أَهلهَا ومزاحمتهم إيَّاهُم فِي رياستها فتشاوروا فِيمَا بَينهم وفتكوا بِابْن الْأَحْمَر يَوْم رحيله عَن الْجَبَل إِلَى غرناطة فتقاصفوه بِالرِّمَاحِ وَقدمُوا أَخَاهُ ابا الْحجَّاج يُوسُف بن إِسْمَاعِيل مَكَانَهُ فَقَامَ بِالْأَمر بعده وشمر للأخذ بثار أَخِيه فاحتال على بني أبي الْعَلَاء حَتَّى قبض عَلَيْهِم وأودعهم المطبق ثمَّ غربهم إِلَى تونس إِلَى أَن كَانَ من أَمرهم مَا نذكرهُ
فتح تلمسان ومقتل صَاحبهَا أبي تاشفين وانقراض الدولة الأولى لبني زيان بمهلكه
لما استقام ملك الْمغرب للسُّلْطَان أبي الْحسن بمقتل أَخِيه أبي عَليّ صَاحب سجلماسة وَنصر الله جنده على الطاغية بالأندلس تفرغ لشأن تلمسان والانتقام من صَاحبهَا أبي تاشفين الَّذِي ضايق أصهاره من بني أبي حَفْص فِي أَرضهم ونازعهم فِي ملكهم وَكَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن قد بعث لأوّل بيعَته شُفَعَاء إِلَى أبي تاشفين فِي أَن يتخلى عَن عمل الْمُوَحِّدين وَيرجع إِلَى تخوم أَعماله الَّتِي ورثهَا عَن سلفه وَقَالَ لَهُ فِي جملَة ذَلِك كف عَنْهُم وَلَو سنة وَاحِدَة ليسمع النَّاس أَنِّي نافحت عَن صهري ويقدروا قدري فاستنكف أَبُو تاشفين من ذَلِك وَأَغْلظ للرسل فِي القَوْل وأفحش بعض السُّفَهَاء من عبيده فِي الرَّد عَلَيْهِم بمجلسه ونالوا من السُّلْطَان أبي الْحسن بمحضره فَعَادَت الرُّسُل إِلَيْهِ وأعلموه بالقضية على وَجههَا فحمي لذَلِك وَغَضب وتأكد عزمه على النهوض إِلَى تلمسان فَكَانَ من نهوضه أَولا وانتقاض أَخِيه عَلَيْهِ وَعوده إِلَيْهِ من تاسالت مَا قصصناه قبل مُسْتَوفى
خلفا وسلفا لَا يسع إِنْكَاره غير أَن للزيارة آدابا تجب الْمُحَافظَة عَلَيْهَا وشروطا لَا بُد من مراعاتها وَالْوُقُوف لَدَيْهَا ثمَّ القَوْل بمنعها مُطلقًا سدا للذريعة فِي حق الْعَامَّة إِذْ هم أَكثر النَّاس وغولا فِي ذَلِك فِيهِ نظر أما الْأَنْبِيَاء فَلَا يَنْبَغِي لعاقل أَن يحرم نَفسه من الْوُقُوف على مشاهدهم والتبرك بتربتهم والاحتماء بحماهم وَلَا أَن يَقُول بذلك لمزيد ارْتِفَاع درجتهم عِنْد الله تَعَالَى ولندور اتِّفَاق زيارتهم لأكْثر الغرباء وَأما الْأَوْلِيَاء فَالْقَوْل بِمَنْع زيارتهم سدا للذريعة مَعَ بَيَان الْعلَّة وإشهارها بَين النَّاس حَتَّى لَا يلتبس عَلَيْهِم الْمَقْصُود قَول وجيه لَا تأباه قَوَاعِد الشَّرِيعَة بل تَقْتَضِيه وَالله أعلم وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي رَآهُ الشَّيْخ الْفَقِيه الصُّوفِي أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد التجاني رَحمَه الله حَتَّى نهى أَصْحَابه عَن زِيَارَة الْأَوْلِيَاء
وَأَقُول إِن السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله كَانَ يرى شَيْئا من ذَلِك ولأجله كتب رسَالَته الْمَشْهُورَة الَّتِي تكلم فِيهَا على حَال متفقرة الْوَقْت وحذر فِيهَا رَضِي الله عَنهُ من الْخُرُوج عَن السّنة والتغالي فِي الْبِدْعَة وَبَين فِيهَا بعض آدَاب زِيَارَة الْأَوْلِيَاء وحذر من تغالي الْعَوام فِي ذَلِك وَأَغْلظ فِيهَا مُبَالغَة فِي النصح للْمُسلمين جزاه الله خيرا وَمن كَلَامه فِيهَا مَا نَصه تَنْبِيه من الغلو الْبعيد ابتهال أهل مراكش بِهَذِهِ الْكَلِمَة سَبْعَة رجال فَهَل كَانَ لسبعة رجال شيعَة يطوفون عَلَيْهِم إِلَى أَن قَالَ فعلينا أَن نقتدي بسبعة رجال وَلَا نتخذهم آلِهَة لِئَلَّا يؤول الْحَال فيهم إِلَى مَا آل إِلَيْهِ فِي يَغُوث ويعوق ونسرا إِلَى آخر كَلَامه وَصدق رَحمَه الله فكم من ضَلَالَة وَكفر أَصْلهَا الغلو فِي التَّعْظِيم وَمَا ضلت النَّصَارَى إِلَّا من غلوهم فِي عِيسَى وَأمه عَلَيْهِمَا السَّلَام قَالَ الله تَعَالَى {يَا أهل الْكتاب لَا تغلوا فِي دينكُمْ وَلَا تَقولُوا على الله إِلَّا الْحق} النِّسَاء 17 الْآيَة وَمن ذَلِك قصَّة يَغُوث ويعوق ونسرا الْمشَار إِلَيْهَا وَهِي مَذْكُورَة فِي الصَّحِيح وَفِي كتب التَّفْسِير
وَحكى ابْن إِسْحَاق فِي السِّيرَة أَن أصل حُدُوث عبَادَة الْحجر فِي بِلَاد الْعَرَب أَن آل إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام لما كَثُرُوا حول الْحرم وَضَاقَتْ بهم
الْعَرَبِيّ الدرقاوي وَدفن بِمحل زاويته بآمجوط من بِلَاد بني زروال وَكَانَ من خِيَار عبد الله على غَايَة من التَّقْوَى والورع والتواضع من النَّاس يركب الْحمار ويلبس الْجُبَّة وَلَا يتَمَيَّز عَن أَصْحَابه بِشَيْء مَعَ السكينَة وَالْوَقار وَعدم الْخَوْض فِيمَا لَا يَعْنِي والإعراض عَن زهرَة الدُّنْيَا وَأَهْلهَا رَحمَه الله ونفعنا بِهِ وَفِي التَّاسِع وَالْعِشْرين من رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة انكسفت الشَّمْس وَكَانَ ابْتِدَاء الْكُسُوف على مَا أعطَاهُ التَّعْدِيل بعد الزَّوَال بِنَحْوِ نصف سَاعَة وَكَاد يكون كليا حَتَّى أظلم الجو وَبَقِي من الشَّمْس حَلقَة نورانية يسيرَة وَلم يُمكن تَحْقِيق وَقت التجلي لتراكم السَّحَاب وَفِي هَذِه الْأَيَّام ظَهرت حمرَة فِي السَّمَاء غَرِيبَة أرجوانية مَعَ غَايَة الصحو وَكَانَ ظُهُورهَا يكون فِيمَا بَين العشاءين معظمها فِي جِهَة الشمَال ودامت كَذَلِك نَحْو سَبْعَة أَيَّام وانقطعت وَفِي لَيْلَة السبت الثَّامِن من شَوَّال من السّنة وَذَلِكَ فِي السَّاعَة الثَّالِثَة مِنْهَا زلزلت الأَرْض وَلم يشْعر بهَا كثير من النَّاس لكَوْنهم نياما
وَفِي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف غزا السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد رَحمَه الله قبائل تادلا فَمر على السماعلة منتصف رَجَب ثمَّ مِنْهُم لبني زمور ثمَّ لأبي الْجَعْد ثمَّ مِنْهُ توجه لقصبة تادلا وَعبر القنطرة وَنزل على بني عُمَيْر ثمَّ زحف لبني مُوسَى فأوقع بهم لأَنهم كَانُوا خَارِجين على عاملهم الغزواني ابْن زيدوح فَقطع مِنْهُم خمسين رَأْسا وَقبض على أَرْبَعِينَ مسجونا وَفِي أثْنَاء ذَلِك قدم عَلَيْهِ وَفد أهل مراكش وَكَانُوا قد ثَارُوا على عاملهم أَحْمد بن دَاوُد لكَونه كَانَ يسير فيهم سيرة غير حميدة فقدموا على السُّلْطَان متنصلين مِمَّا فرط مِنْهُم فَأَعْرض السُّلْطَان عَنْهُم وَلم يسمع مِنْهُم كلَاما وَلَا قبل لَهُم عذرا فَرَجَعُوا مخفقين ثمَّ تقدم السُّلْطَان رَحمَه الله إِلَى مراكش وَهُوَ غَضْبَان على أَهلهَا وَكَانُوا مظلومين فِيمَا قيل إِلَّا أَنه لبس على السُّلْطَان فِي أَمرهم فَلَمَّا شَارف الْمَدِينَة خَرجُوا إِلَيْهِ بالعلماء والقراء وصبيان الْمكَاتب متشفعين فَلم يقف لَهُم وَلَا الْتفت إِلَيْهِم وَكَانَ ابْنه وخليفته الْمولى الْحسن حَاضرا يَوْمئِذٍ فَتقدم إِلَى أهل مراكش ورق لَهُم وَقَالَ لَهُم قولا جميلا وَكَانَ هَذَا الْحَادِث فِي رَمَضَان