كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
عبد الصَّمد مِنْهُم وَكَانَت هَذِه الْمَرْأَة قد ملكتهم وغلبت عَلَيْهِم بقومها ورجالها وَكَانَ لَهَا بنُون عشرَة فاستفحل أمرهَا بهم وَلما نزل عَلَيْهَا الجزار الْمَذْكُور وانتسب لَهَا إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن قَامَت بأَمْره وشمرت عزائمها لإجارته وحملت قَومهَا على طَاعَته وشاع فِي النَّاس خَبره فَمن مُصدق وَمن مكذب وسرب السُّلْطَان أَبُو الْحسن الْأَمْوَال فِي قَومهَا وبنيها على إِسْلَامه إِلَيْهِ فَأَبت ثمَّ نمى إِلَيْهَا الْخَبَر بكذبه وتمويهه فنبذت إِلَيْهِ عَهده وَخرج عَنْهَا إِلَى بِلَاد الْعَرَب فلحق بالذواودة أُمَرَاء ريَاح من بني هِلَال وَنزل على سيدهم يَعْقُوب بن عَليّ وانتسب لَهُ فِي مصل ذَلِك فأجاروه إِن صدق نسبه وأوعز السُّلْطَان أَبُو الْحسن إِلَى صهره أبي بكر الحفصي فِي شَأْن الجزار فَبعث الحفصي إِلَى يَعْقُوب بن عَليّ فِي ذَلِك فأشخصه إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن مَعَ بعض حَاشِيَته فلحق بِهِ بمكانه بسبتة يُرِيد الْجِهَاد فامتحنه وقطعه من خلاف وانحسم داؤه وَبَقِي الْمغرب تَحت جراية من الدولة إِلَى أَن هلك فِي بعض السنين وَأما الْأَمِير أَبُو عبد الرَّحْمَن فَإِنَّهُ لما سجن بوجدة بَقِي هُنَالك إِلَى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة فَوَثَبَ ذَات يَوْم بالسجان فَقتله واتصل الْخَبَر بالسلطان أبي الْحسن فأنفذ حَاجِبه عَلان بن مُحَمَّد فَقضى عَلَيْهِ رحم الله الْجَمِيع
أَخْبَار السُّلْطَان أبي الْحسن فِي الْجِهَاد وَمَا كَانَ من وقْعَة طريف الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين وَغير ذَلِك
لما فرغ السُّلْطَان أَبُو الْحسن من شَأْن عدوه وعلت على الْأَيْدِي يَده وَانْفَسَحَ نطاق ملكه دَعَتْهُ همته إِلَى الْجِهَاد وَكَانَ كلفا بِهِ فأوعز إِلَى ابْنه الْأَمِير أبي مَالك أَمِير الثغور الأندلسية سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة بِالدُّخُولِ إِلَى دَار الْحَرْب وجهز إِلَيْهِ العساكر من حَضرته وأنفذ إِلَيْهِ الوزراء فشخص أَبُو مَالك غازيا وتوغل فِي بِلَاد النَّصْرَانِيَّة واكتسحها وَخرج بِالسَّبْيِ والغنائم إِلَى أدنى صدر من أَرضهم وأناخ بهَا فاتصل بِهِ الْخَبَر أَن النَّصَارَى قد جمعُوا لَهُ وَأَنَّهُمْ
وتفاحش حَتَّى أصَاب النَّاس مِنْهُ أَمر عَظِيم وَفِي هَذَا الوباء توفّي الشَّيْخ المرابط الْبركَة سَيِّدي الْعَرَبِيّ ابْن الْوَلِيّ الْأَشْهر سَيِّدي الْمُعْطى بن الصَّالح الشرقاوي وضريحه شهير بِأبي الْجَعْد رَحمَه الله ونفعنا بِهِ وأسلافه آمين
وقْعَة ظيان وَمَا جرى فِيهَا على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله
لما وصل السُّلْطَان رَحمَه الله إِلَى مراكش سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَألف أَقَامَ بهَا إِلَى رَجَب مِنْهَا ثمَّ أَخذ فِي الاستعداد لغزو برابرة فازاز وهم آيت ومالو بطن من صنهاجة وَعرفت الْوَقْعَة بوقعة ظيان فَخذ مِنْهُم فحشد السُّلْطَان رَحمَه الله عرب الْحَوْز كلهم وَكتب إِلَى العبيد بمكناسة يَأْمُرهُم أَن يوافوه بتادلا وَكتب إِلَى وَلَده وخليفته بفاس الْمولى إِبْرَاهِيم أَن يوافيه بهَا بِجَيْش الودايا وشراقة وعرب الغرب وبرابرته وعسكر الثغور وَكَانَ النَّاس يَوْمئِذٍ فِي شدَّة من هَذَا الوباء الَّذِي عَم الحواضر والبوادي وَكَانَ السُّلْطَان لما أَخذ فِي استنفار هَذِه الْقَبَائِل لَا علم لَهُ بتفاحش الوباء بالمغرب وَكَانَ الْوَاجِب على ابْن السُّلْطَان أَن يعلم أَبَاهُ بِمَا النَّاس فِيهِ من فتْنَة الوباء فيعفيهم من الْغَزْو أَو يُؤَخِّرهُ إِلَى يَوْم مَا فَجمع ولد السُّلْطَان الجموع وجلهم كَارِه وَسَار لميعاد أَبِيه فوافاه بتادلا فَاجْتمع للسُّلْطَان فِيمَا يُقَال من الجيوش نَحْو سِتِّينَ ألفا وزحف إِلَى البربر فَانْتهى إِلَى بسيط آدخسان وَبهَا مزارع البربر وفدنها فَأرْسل السُّلْطَان الجيوش فِي تِلْكَ الزروع وَكَانَت شَيْئا كثيرا فَأتوا عَلَيْهَا وَبعث البربر إِلَيْهِ بنسائهم وولدانهم للشفاعة وَأَن يدفعوا للسُّلْطَان كل مَا يَأْمُرهُم بِهِ من المَال وينصرف عَنْهُم فَأبى وزحف إِلَيْهِم فَقَاتلهُمْ يَوْمًا إِلَى اللَّيْل وَلَقَد أَخْبرنِي من حضر الْوَقْعَة أَن الْمُقَاتلَة كَانَت فِي هَذَا الْيَوْم من عرب الغرب وَمن برابرة زمور وجروان وآيت أدراسن إِلَّا أَن الْقَتْل استحر فِي الْعَرَب دون البربر وَذَلِكَ أَن كَبِير زمور الْحَاج مُحَمَّد بن الْغَازِي دس إِلَى
الله برباط الْفَتْح إِلَى يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من شَوَّال من السّنة فَنَهَضَ قَاصِدا مكناسة فَعبر الْمجَاز وَمَعَهُ من جنود الدولة وعساكر الْقَبَائِل مَا يجل عَن الْحصْر وَكَانَ نهوضه عَن إزعاج بِسَبَب مَا اتَّصل بِهِ من خبر الْمولى عبد الْكَبِير بن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان ولد الَّذِي كَانَ ثار لأوّل بيعَة السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن فسلك هَذَا الْوَلَد مَسْلَك أَبِيه وأطمعه شياطين البربر فِي الْملك حَتَّى أوردوه مورد الردى وحان وَسقط الْعشي بِهِ على سرحان وَلما كَانَ السُّلْطَان أعزه الله بِبِلَاد بني حسن بلغه خبر الْقَبْض عَلَيْهِ فَكتب كتابا إِلَى الْأَمْصَار يَقُول فِيهِ مَا نَصه وَبعد فَإِن عبد الْكَبِير بن عبد الرَّحْمَن الَّذِي سَوَّلت لَهُ نَفسه مَا سَوَّلت من الرَّأْي المنكوس والحظ المعكوس كَانَ تحزب بشياطين وأوباش من برابرة بني أمكليد وَأتوا بِهِ لآيت عَيَّاش قرب فاس فَلَمَّا سمع بذلك خدامنا أهل فاس وأخوالنا شراقة وَغَيرهم من الْجَيْش السُّوسِي وقبائل الصّلاح قَامُوا على سَاق فِي طرده وإبعاده ونفيه من ساحتهم وتشتيت رماده وقابلوه بالنكاية والوبال وَرَأى مِنْهُم مَا لم يخْطر لَهُ ببال وَرجع بخفي حنين ثمَّ بعد الطَّرْد والإبعاد لم يبال بِمَا هُوَ عَلَيْهِ من سوء الْحَال وَلَا أقلع عَمَّا طمع فِيهِ من الْمحَال وَلَا انتبه من نومته وَلَا أَفَاق من سكرته وَبَقِي على دورانه عِنْد البربر إِلَى أَن ختم مطافه بالوصول لآيت يوسي فَحكم الله فِيهِ هُنَالك وأتى بِهِ مَقْبُوضا عَلَيْهِ وَذَهَبت رِيحه وَسقط فِي أَيدي من كَانَ آواه من البربر وحصلوا كلهم على الخسران والخزي والخذلان وَهَا الفتان متقف تَحت يَد أخينا الأرضى مولَايَ إِسْمَاعِيل رعاه الله فَالْحَمْد لله حق حَمده وَلَا نعْمَة إِلَّا من عِنْده وَهُوَ المسؤول بِنَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومجد وَعظم أَن يُؤَدِّي عَنَّا وَعَن الْمُسلمين شكر نعْمَته وَأَن يجزينا على مَا عودنا من جزيل فَضله ومنته هَذَا وَقد كتبنَا لكم هَذَا بعد مَا خيمنا بحول الله بِبِلَاد الصفافعة من بني حسن ومحلتنا المظفرة بِاللَّه محفوفة بالنصر والعز بِحَمْد الله وأعلامنا المنصورة بِاللَّه ريَاح الْيمن والسعادة تسوقها والأرباح تكفل بهَا سوقها وَقد أعلمناكم لِتَأْخُذُوا حظكم من الْفَرح بِمَا خول مَوْلَانَا جلّ وَعلا من عَظِيم نعمه فَللَّه الْحَمد وَله الْمِنَّة
الصفحة 134