كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
أغذو السّير فِي اتِّبَاعه فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمَلأ بِالْخرُوجِ من أَرضهم وعبور الْوَادي الَّذِي كَانَ تخما بَين أَرض الْمُسلمين وَدَار الْحَرْب ويتحيز إِلَى مدن الْمُسلمين فَيمْتَنع بهَا فلج فِي إبايته وصمم على التَّعْرِيس وَكَانَ قرما ثبتا إِلَّا أَنه غير بَصِير بِالْحَرْبِ لصِغَر سنه فصحبتهم عَسَاكِر النَّصْرَانِيَّة فِي مضاجعهم قبل أَن يركبُوا وخالطوهم فِي بياتهم وأدركوا الْأَمِير أَبَا مَالك بِالْأَرْضِ قبل أَن يَسْتَوِي على فرسه فجدلوه واستلحموا الْكثير من قومه واحتووا على المعسكر بِمَا فِيهِ من أَمْوَال الْمُسلمين وَأَمْوَالهمْ وَرَجَعُوا على اعقابهم واتصل الْخَبَر بالسلطان أبي الْحسن فتفجع لهلاك ابْنه واسترحم لَهُ واحتسب عِنْد الله أجره ثمَّ أنفذ وزراءه إِلَى سواحل الْمغرب لتجهيز الأساطيل وَفتح ديوَان الْعَطاء وَعرض الْجنُود وأزاح عللهم واستنفر أهل الْمغرب كَافَّة ثمَّ ارتحل إِلَى سبتة ليباشر أَحْوَال الْجِهَاد وتسامعت بِهِ أُمَم النَّصْرَانِيَّة فَاسْتَعدوا للدفاع وَأخرج الطاغية أسطوله إِلَى الزقاق ليمنع السُّلْطَان من الْإِجَازَة واستحث السُّلْطَان أساطيل الْمُسلمين من مراسي الْمغرب وَبعث إِلَى أصهاره الحفصيين بتجهيز أسطولهم إِلَيْهِ فعقدوا عَلَيْهِ لزيد بن فَرِحُونَ قَائِد أسطول بجاية ووافى سبتة فِي سِتَّة عشر أسطولا من أساطيل إفريقية كَانَ فِيهَا من طرابلس وَقَابِس وجربة وتونس وبونة وبجاية وتوافت أساطيل المغربين بمرسى سبتة تناهز الْمِائَة وَعقد السُّلْطَان عَلَيْهَا لمُحَمد بن عَليّ العزفي الَّذِي كَانَ صَاحب سبتة يَوْم فتحهَا أَيَّام السُّلْطَان أبي سعيد وَأمره بمناجزة أسطول النَّصَارَى بالزقاق وَقد تَكَامل عديدهم وعدتهم فاستلأموا وتظاهروا فِي السِّلَاح وزحفوا إِلَى أسطول النَّصَارَى وتواقفوا مَلِيًّا ثمَّ قربوا الأساطيل بَعْضهَا من بعض وقرنوها للمصاف فَلم يمض إِلَّا كلا وَلَا حَتَّى هبت ريح النَّصْر وأظفر الله الْمُسلمين
ظيان بأنما نَحن وَأَنْتُم وَاحِد فَإِذا كَانَ اللِّقَاء فَلَا ترمونا وَلَا نرميكم إِلَّا بالبارود وَحده وَذَلِكَ أَن السُّلْطَان لما قدمهم لِلْقِتَالِ فِي أول يَوْم مِنْهُ وَأخر عرب الْحَوْز استرابوا بِأَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ أَن يصدم بَعضهم بِبَعْض وتسلم لَهُ الْعَرَب فَفعل ابْن الْغَازِي مَا فعل وَلما رَاح مقاتلة الْعَرَب مَعَ الْعشي أخبروا السُّلْطَان بِأَن هَؤُلَاءِ البربر الَّذين مَعَه لَا أَمَان فيهم وَإِنَّمَا ظلوا يترامون بالبارود لَا غير وَلأَجل ذَلِك قد هلك من إِخْوَاننَا كثير وَلم يهْلك مِنْهُم أحد فأسرها السُّلْطَان فِي نَفسه وَلم يبدها لَهُم وَلما كَانَ الْغَد وَركب النَّاس لِلْقِتَالِ أرسل إِلَى البربر أَن لَا يركب مِنْهُم أحد وَقَالَ لَهُم إِنِّي أردْت أَن أجرب الْعَرَب الْيَوْم وأختبر فائدتهم فأظهروا الطَّاعَة وَتقدم الْعَرَب إِلَى الْقِتَال وَأقَام البربر فِي أخبيتهم إِلَى منتصف النَّهَار ثمَّ ركبُوا خيولهم وتسابقوا إِلَيْهَا عَن آخِرهم قَالَ الْمخبر بِهَذَا الْخَبَر شاهدتهم سَاعَة ركبُوا فَكنت لَا ألتفت إِلَى جِهَة إِلَّا رَأَيْتهَا حَمْرَاء من كَثْرَة سروجهم الَّتِي كَانَت على ظُهُور الْخَيل إِذْ ذَاك ثمَّ تصايحت البربر فِيمَا بَينهَا وَتَقَدَّمت براياتها إِلَى الْجِهَة الَّتِي فِيهَا الْقِتَال وَأتوا من خلف الْعَرَب الَّذين كانو فِي نحر الْعَدو وهم يتصايحون فَلم يردهم إِلَّا صياح البربر من خَلفهم وراياتهم قد أطلت عَلَيْهِم من كل جِهَة وَكَانَت شَيْئا كثيرا فظنوا أَن ظيان قد التحفتهم من خَلفهم فخشعت نُفُوسهم وفشلوا وَرَجَعُوا منهزمين لايلوي حميم على حميم فَأَخَذتهم البربر من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم يقتلُون ويسلبون وَحصل انزعاج كَبِير فِي الْمحلة وتمت الْهَزِيمَة عَلَيْهَا وَلم يبْق بهَا إِلَّا جَيش الودايا وَالْعَبِيد هَكَذَا أَخْبرنِي من شَاهد هَذِه الْوَقْعَة مِمَّن يوثق بِهِ
وسَاق صَاحب الْجَيْش الْخَبَر عَنْهَا بِأَن قَالَ كَانَ انخذال برابرة زمور بِرَأْي كَبِيرهمْ الْحَاج مُحَمَّد بن الْغَازِي وَكَانَت لَهُ وجاهة فِي الدولة وَكَانَ الْحسن بن حمو واعزيز كَبِير آيت أدراسن يساميه فِي الْمنزلَة وَلما خرج الْمولى إِبْرَاهِيم بن السُّلْطَان فِي هَذِه الْغَزْوَة كَانَ ابْن واعزيز قد حظي لَدَيْهِ حَتَّى صَار من أخص ندمائه فَنَفْس ابْن الْغَازِي عَلَيْهِ ذَلِك ودبر بِأَن جر
وَالسَّلَام فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من شَوَّال عَام تسعين وَمِائَتَيْنِ وَألف اهـ ثمَّ تقدم السُّلْطَان أعزه الله إِلَى دَار ابْن العامري فأوقع بأولاد يحيى فرقة من بني حسن وَكَانُوا قد ثَارُوا بعاملهم عبد الْقَادِر بن أَحْمد المحروقي فهدموا دَاره وانتهبوها وعاثوا فِي الطرقات وأخافوها فأوقع بهم السُّلْطَان الْمولى الْحسن أعزه الله وقْعَة كَادَت تستأصلهم وَتَأْتِي عَلَيْهِم فتشفعوا إِلَيْهِ وتطارحوا عَلَيْهِ وأظهروا التَّوْبَة والخضوع فَقبل تَوْبَتهمْ وَولى عَلَيْهِم ثَلَاثَة عُمَّال ووظف عَلَيْهِم مَالا لَهُ بَال ونهض أعزه الله إِلَى مكناسة الزَّيْتُون ف 4 ي سَابِع ذِي الْقعدَة من السّنة فَدَخلَهَا مظفرا منصورا وَلما احتل بهَا كتب أيده الله إِلَى الْأَمْصَار بِمَا نَصه وَبعد فَأَنا بإثر الْفَرَاغ من أَمر الْقَبِيلَة اليحيوية وَبِنَاء أمرهَا على أساس الْجد بحول الله وَحُصُول المُرَاد من كَمَال استقامتها بِحَمْد الله وجهنا الوجهة السعيدة لوطن أسلافنا الْكِرَام قدسهم الله بمكناسة الزَّيْتُون وتقدمنا فِي محلتنا السعيدة المنصورة الَّتِي أرْخى الْيمن وَالظفر عَلَيْهَا ستوره فلقينا فِي طريقنا أهل هَذَا الْقطر المغربي من البرابرة وَغَيرهم على اخْتِلَاف شعوبهم وقبائلهم مظهرين غَايَة الْفَرح بمقدمنا ومتبركين بيمن طلعتنا وقائمين بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَة لعَلي جانبنا وحللنا حضرتنا السعيدة بمكناسة الزَّيْتُون فِي يَوْم كَانَ من الْأَيَّام السعيدة المشهودة والأوقات المعدودة بل فاق ذَلِك الْيَوْم السعيد بِمَا وَقع فِيهِ من السرُور كل موسم وَعِيد فَالْحَمْد لله على مَا خول وَأولى من فَضله العميم وخيره الجسيم وَهُوَ المسؤول بِنَبِيِّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومجد وَعظم أَن يُؤَدِّي عَنَّا وَعَن الْمُسلمين شكر نعْمَته وَأَن يجرينا على مَا عودنا من جزيل فَضله ومنته آمين وَالسَّلَام فِي الْعشْرين من ذِي الْقعدَة الْحَرَام عَام تسعين وَمِائَتَيْنِ وَألف اهـ
وَكَانَ دُخُوله أعزه الله إِلَى مكناسة بعد زيارته تربة الْمولى إِدْرِيس الْأَكْبَر وَصلَاته الْجُمُعَة بهَا وَأطَال أيده الله الْمقَام بمكناسة وَفِي مُدَّة مقَامه بهَا أوقع ببني مطير وَمن لافهم من مجاط وَبني مكيلد وآيت يوسي وَغَيرهم بعد أَن طَال قِتَاله لَهُم ثمَّ اقتحم عَلَيْهِم معاقلهم وانْتهى إِلَى الْموضع الْمَعْرُوف بالحاجب بحبوحة قرارهم وَمحل منعتهم وانتصارهم بل تجاوزته عساكره
الصفحة 135