كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
الانبساط فِي الْبِلَاد واجتمعوا إِلَى الجزيرة الخضراء أَعَادَهَا الله بِكُل من جَمَعُوهُ من الأعاد لَكنا مَعَ انسداد تِلْكَ السَّبِيل وَعدم أُمُور نستعين بهَا فِي ذَلِكُم الْعَمَل الْجَلِيل حاولنا إمداد تلكم الْبِلَاد بِحَسب الْجهد وأصرخناهم بِمَا أمكن من الْجند وجهزنا أجفانا مختلسين فرْصَة الْإِجَازَة تَتَرَدَّد على خطر بِمن جهز للْجِهَاد جهازه وأمرنا لصَاحب الأندلس من المَال بِمَا يُجهز بِهِ حركته لمداناة محلّة حزب الضلال وأجرينا لَهُ ولجيشه الْعَطاء الجزل مشاهرة وأرضخنا لَهُم من النوال مَا نرجو بِهِ ثَوَاب الْآخِرَة وَجعلت أجفاننا تَتَرَدَّد فِي مينا السواحل وتلج أَبْوَاب الْخَوْف العاجل لإحراز الْأَمْن الآجل مشحونة بِالْعدَدِ الموفورة والأبطال الْمَشْهُورَة وَالْخَيْل المسومة والأقوات المقومة فَمن نَاجٍ حَارب دونه الْأَجَل وشهيد مضى لما عِنْد الله عز وَجل وَمَا زَالَت الأجفان تَتَرَدَّد على ذَلِك الْخطر حَتَّى تلف مِنْهَا سبع وَسِتُّونَ قِطْعَة غزوية أجرهَا عِنْد الله يدّخر ثمَّ لم نقنع بِهَذَا الْعَمَل فِي الْإِمْدَاد فَبَعَثنَا أحد أَوْلَادنَا أسعدهم الله مساهمة بِهِ لأهل تِلْكَ الْبِلَاد فلقي من هول الْبَحْر وارتجاجه وإلحاح الْعَدو ولجاجه مَا بِهِ الْأَمْثَال تضرب وبمثله يتحدث ويستغرب وَلما خلص لتِلْك العدوة بِمن أبقته الشدائد نزل بِإِزَاءِ الْكَافِر الجاحد حَتَّى كَانَ مِنْهُ بفرسخين أَو أدنى وَقد ضرب بِعَطَن يصابح الْعَدو ويماسيه بِحَرب بهَا يمنى وَقد كَانَ من مددنا بالجزيرة جَيش شريت شرارته وقويت فِي الْحَرْب إدارته يبلون الْبلَاء الأصدق وَلَا يبالون بالعدو وهم مِنْهُ كَالشَّامَةِ الْبَيْضَاء فِي الْبَعِير الأورق إِلَّا أَن المطاولة بحصارها فِي الْبَحْر مُدَّة ثَلَاثَة أَعْوَام وَنصف ومنازلتها فِي الْبر نَحْو عَاميْنِ معقودا عَلَيْهَا الصَّفّ بالصف أدّى إِلَى فنَاء الأقوات فِي الْبَلَد حَتَّى لم يبْق لأهليه قوت شهر مَعَ انْقِطَاع المدد وَبِه من الْخلق مَا يربى على عشرَة آلَاف دون الْحرم وَالْولد فَكتب إِلَيْنَا سُلْطَان الأندلس يرغب فِي الْأذن لَهُ فِي عقد الصُّلْح وَوَقع الِاتِّفَاق على أَنه لاستخلاص الْمُسلمين من وُجُوه النجع فأذنا لَهُ فِيهِ الْإِذْن الْعَام إِذْ فِي إصراخه وإصراخ من بقطره من الْمُسلمين توخينا ذَلِك المرام هُنَالك دَعَا النَّصَارَى إِلَى السّلم فاستجابوا وَقد كَانُوا علمُوا فنَاء الْقُوت وَمَا استرابوا فتم الصُّلْح إِلَى عشر سِنِين وَخرج من بهَا من فرسَان
(من إِذا رجاه راج لنول ... قبل حل الحبى أَتَاهُ الحباء)
(خلق دمث وَخلق بهي ... من ذكي نوره تغار ذكاء)
(كَفه كفت الْفساد وكفت ... كل عَاد فَمَا لَهُ أكفاء)
(رَاحَة رَاحَة لكل فَقير ... بحياء تحيا بِهِ الْأَحْيَاء)
(رَوْضَة راضت الْعُلُوم وَلَكِن ... عرفهَا الْعرف والثراء الثَّنَاء)
(قد روى فَضله الأفاضل طرا ... فعلى الْفضل والرواة رواء)
(لأبي الْقَاسِم الظياني لديهم ... فضل سبق لَهُ علا وعلاء)
(جمع الْوَصْف أحكم الْوَصْف صدقا ... وَأَتَاهُ الْإِنْشَاء كَيفَ يَشَاء)
(صَالح نَاصح أَمِين رصين ... قد ثناه إِلَى علاك السناء)
(كَيفَ لَا يحسن السناء ويسمو ... فِي إِمَام لَهُ الْمَعَالِي رِدَاء)
(إِنَّمَا هُوَ معجز مُسْتَقل ... يَقْتَدِي بفعاله الْعُقَلَاء)
(بسط الْعدْل فِي البسيطة فالدين ... لَهُ بسطة بِهِ وارتقاء)
(وَغدا بِإِقَامَة الدّين فالغرب ... غَرِيبا أنصاره الغرباء)
(لم يجد فِي البرابر الغلف برا ... شَأْنه الْبر فِي البدا والبراء)
(نقضوا الْعَهْد خالفوا الْأَمر وَالنَّهْي ... إِلَّا إِنَّهُم هُوَ السُّفَهَاء)
خالفوا منتقى الْخَلَائق جهلا ... بعماهم فَلَا عداهم عماء)
(عَادَة فِي جدودهم جددوها ... لَهُم الدَّهْر الارتداد رِدَاء)
(قد دعاهم مهاوش لضلال ... فَعَلَيْهِم وبالهم والوباء)
(شقّ جهلا عَصا الإِمَام شقاقا ... وَعصى الله لَا هَناه الهناء)
(واقتفى أَثَرهم الغواة ضلالا ... فغاباهم مَا أَن عَلَيْهِ غباء)
(وَإِذا خبثت أصُول فروع ... لَاحَ من فعلهم عَلَيْهِ لِوَاء)
(وَكَذَا الْعَرَب أعربوا عَن مساوفهم ... فِي سوى الْخُرُوج سَوَاء)
(نافقوا رافقوا الخبيثين كفرا ... همزوا لمزوا فَلَيْسَ برَاء)
(والودايا جاؤوا بادوء عيب ... داؤهم مَاله الزَّمَان دَوَاء)
(قتلوا سلبوا أخافوا وحافوا ... مَا ثناهم عَن الْقَبِيح ثَنَاء)
(مَا رعوا ذمَّة وَلَا فعل ذمّ ... بل عراهم من الْحيَاء عراء)
وَلَا زَالَ مسجونا إِلَى الْآن ثمَّ سرح من السجْن واستوطن مراكش عَام ألف وثلاثمائة وَخَمْسَة وَفِي هَذِه الْمدَّة شرع السُّلْطَان أعزه الله فِي بِنَاء دَاره الْعَالِيَة بِاللَّه العامرة المزرية بمصانع الْمُعْتَمد وقباب الزهرة وَذَلِكَ فِي الْبُسْتَان الْمَعْرُوف ببستان آمِنَة دَاخل فاس الْجَدِيد عمد أعزه الله إِلَى نَاحيَة من ذَلِك الْبُسْتَان فَقطع مَا كَانَ بهَا من الشّجر وَبنى فِيهَا قبَّة فارهة فائقة الْحسن بديعة الْجمال يُقَال إِنَّه ضاهى بهَا بعض قباب الْمُعْتَمد بن عباد بإشبيلية ثمَّ بنى الدَّار الْكُبْرَى بإزائها وَهِي من عجائب الدُّنْيَا حَسْبَمَا بلغنَا بَالغ أيده الله فِي تنجيدها وتنميقها وأودعها من النقش العجيب والترخيم البديع والزليج الرفيع المزري بخمائل الزهر وقطائف الْهِنْد وبديع الطوس بِحَيْثُ جزم كل من رأى ذَلِك بِأَن مثله لم يتَقَدَّم فِي دولة من دوَل الْمغرب وجلب لقبابها الْأَبْوَاب من بِلَاد الأروام يُقَال إِن ثمن أحد الْأَبْوَاب خَمْسَة عشر ألف ريال مسامره من الْفضة المذهبة وَعوده من أفضل أَنْوَاع الْعود لَا تعرف لَهُ قيمَة وَفِيه من التخريم والنقش مَا يدهش الْفِكر ويحير النّظر وَبَاقِي الْأَبْوَاب من البلور الصافي الْمَذْهَب الْمُودع فِيهِ كل نقش غَرِيب وَبهَا خوخات مركبة بهيئة بديعة كل ذَلِك قد عَمه الذَّهَب النضار الَّذِي يدهش الْأَبْصَار وجلب لذَلِك من الأثاث الرُّومِي مَا قِيمَته أُلُوف من الريال وفيهَا من الْفرش والحائطيات المزخرفة مَا لَا يدرى ثمنه وَلَا يعرف معدنه وموطنه إِلَى غير ذَلِك من المقاعد الْحَسَنَة والمنازل المستحسنة الرائقة الطّرف البديعة الصَّنْعَة والرصف وَفِي مُدَّة مقَام السُّلْطَان أيده الله بفاس بلغه عَن ولد البشير بن مَسْعُود بعض استبداد فَاقْتضى نظر السُّلْطَان أعزه الله أَن يبْعَث من قبله عَاملا لجباية تِلْكَ النواحي فعقد لِأَخِيهِ الْمولى عَليّ على جَيش وأضاف إِلَيْهِ الْقَائِد أَبَا زيد عبد الرَّحْمَن بن الشليح الزراري بِمَنْزِلَة الْوَزير والظهير وبعثهما إِلَى نَاحيَة وَجدّة وَكَانَ ابْن الشليح الْمَذْكُور يَوْمئِذٍ يتَوَلَّى عمالة تازا وَكَانَ أهل وَجدّة وأعمالها يكْرهُونَ ولَايَة ولد البشير عَلَيْهِم وَيُحِبُّونَ ولَايَة ابْن الشليح إِذْ كَانَ لَهُ ذكر وصيت فِي تِلْكَ النَّاحِيَة وَرُبمَا كَاتبه عرب آنقاد وكاتبهم وَلما أحس ولد البشير بذلك انصبغت الْعَدَاوَة بَينه وَبَين ابْن الشليح فَلم يكن إِلَّا كلا وَلَا حَتَّى
الصفحة 145