كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
واستوعب الزَّمَان ماضيه ومستقبله ومضارعه وثناء اتخذ النفحات المسكية طلائعه وَنبهَ بالتغريد فِي الرَّوْض سواجعه وجلى فِي كأسه من الشَّفق المحمر مدامه وَمن النُّجُوم فواقعه أما بعد حمد الله على نعم أدَّت لنا الْأَمَانَة فِي عود سلطنة والدنا الموروثة وأجلستنا على سَرِير مملكة زرابيها بَين النُّجُوم مبثوثة وأحسنت بِنَا الْخلف عَن سلف عهدوه فِي الْأَعْنَاق غير منكورة وَلَا منكوثة وَصلَاته على سيدنَا مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله وعَلى آله وَصَحبه الَّذين بلغ بجهادهم فِي الْكَفَرَة غَايَة أمله وسؤله صَلَاة تحط بالرضوان سيولها وتجر بالغفران ذيولها مَا تراسل أَصْحَاب وتواصل أحباب فيوضح للْعلم الْكَرِيم وُرُود كتابكُمْ الْعَظِيم وخطابكم الْفَائِق على الدّرّ النظيم تفاخر الخمائل سطوره ويصبغ خد الْورْد بالخجل منثوره ويحكي الرياض اليانعة فالألفات غصونه والهمزات عَلَيْهَا طيوره ويخلع على الْآفَاق حلل الْأَيَّام والليالي فالطرس صباحه والنقس ديجوره لَفظه يطرب وَمَعْنَاهُ يعرب فيغرب وبلاغته تدل على أَنه آيَة لِأَن شمس بَيَانهَا طلعت من الْمغرب فاتخذنا سطوره ريحانا ورجعنا أَلْفَاظه ألحانا ورجعنا إِلَى الْجد فشبهنا ألفاته بظلال الرماح وورقه بصقال الصفاح وحروفه المفرقه بأفواه الْجراح وسطوره المنتظمة بالفرسان المزدحمة يَوْم الكفاح وانتهينا إِلَى مَا أودعتموه من اللَّفْظ المسجوع وَالْمعْنَى الَّذِي يطرب طَائِره المسموع والبلاغة الَّتِي فَضَح التطبع بَيَانهَا المطبوع فَأَما العزاء بأخيكم الْوَالِد قدس الله روحه وَسَقَى عَهده وَأحسن لسلفه خلفا بعده فلنا برَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة وَلَوْلَا الوثوق بِأَنَّهُ فِي عدَّة الشُّهَدَاء مَا رام الْقلب قراره وَلَا الطّرف وَسنة عَاشَ سعيدا يملك الأَرْض وَمَات شَهِيدا. 000 يفوز بِالْجنَّةِ يَوْم الْعرض قد خلد الله ذكره يسير مسير الشَّمْس فِي الْآفَاق وَيُوقف عِنْد نضارة حدائقه الأحداق وورثنا مِنْهُ حسن الآخاء لكم وَالْوَفَاء بعهود مَوَدَّة تشبه فِي اللطف شمائلكم وَأما الهناء بوراثة ملكه والإنخراط مَعَ الْمُلُوك فِي سلكه فقد شكرنا لكم منحى هَذِه المنحة وقابلناها بثناء يعطر النسيم فِي كل نفحه ووقفنا عَلَيْهَا حمدا جعل الود علينا إِيرَاده وعَلى أنفاس سرحة الرَّوْض شَرحه وتحققنا بِهِ حسن ودكم الْجَمِيل وكريم إخائكم الَّذِي لَا يميد طود رسوخه وَلَا يمِيل
على مثله فَلَمَّا رَأَوْا أَن السُّلْطَان لم يساعدهم هجموا على القَاضِي وَهُوَ بِمَجْلِس حكمه وَأَرَادُوا قَتله وسدد نَحوه الشريف أَبُو عبد الله مُحَمَّد الطَّاهِر الكتاني كابوسا أخرجه فِيهِ فأخطأه فانزعج القَاضِي وَلزِمَ بَيته وَقدمُوا مَكَانَهُ الْفَقِيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الدلائي ثمَّ عزلوه وولوا مَكَانَهُ الْفَقِيه أَبَا عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ بن أَحْمد الزرهوني فَكَانَت عَاقِبَة أمره أَنه لما أفْضى الْأَمر إِلَى السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام رَحمَه الله نَفَاهُ إِلَى الصويرة وَالله تَعَالَى أعلم
خُرُوج أهل فاس على السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان وبيعتهم للولى إِبْرَاهِيم بن يزِيد وَالسَّبَب فِي ذَلِك
لما اسْتمرّ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان رَحمَه الله مُقيما بمراكش والفتن بفاس وَسَائِر بِلَاد الغرب قد تجاوزت مداها وَعم أذاها وَرفعت الشكايات إِلَيْهِ من فاس وَغَيرهَا بِمَا النَّاس فِيهِ من الكرب الْعَظِيم والخطب الجسيم كتب رَحمَه الله بِخَط يَده كتابا إِلَى أهل فاس يرشدهم إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحهمْ من حلف البربر والاعتماد عَلَيْهِم فِي حراسة بِلَادهمْ وَسَائِر مرافقهم كَمَا كَانُوا قَدِيما أَيَّام الفترة فِي دولة السُّلْطَان الْمولى عبد الله إِلَى أَن يفرغ من شَأْن الْحَوْز وَيقدم عَلَيْهِم هَكَذَا زعم صَاحب الْبُسْتَان
قَالَ أكنسوس كَانَ مُرَاد السُّلْطَان بذلك الْكتاب تهييج أهل فاس على التَّمَسُّك بِطَاعَتِهِ وترغيبهم فِي محبته ونصرته وَقد فعل مثل ذَلِك بمراكش فَإِنَّهُ جمع أعيانها وأعيان الرحامنة عقب صَلَاة الْجُمُعَة وَقَالَ لَهُم قد رَأَيْتُمْ مَا جرت بِهِ الأقدار من فَسَاد قُلُوب الرّعية وتمادي الْقَبَائِل على الغي وَالْفساد وَمن يَوْم رَجعْنَا من وقْعَة ظيان وَنحن نعالج أَمر النَّاس فَلم يزدادوا إِلَّا فَسَادًا وَقد جرى على الْمُلُوك الْمُتَقَدِّمين أَكثر من هَذَا فَلم ينقصهم ذَلِك عِنْد رعيتهم بل قَامُوا مَعَهم وأعانوهم على أهل الْفساد حَتَّى أصلحوهم وَإِنِّي قد عجزت
ظهر الْهلَال ظهورا مُعْتَادا وَتبين كذب الشُّهُود فسجنوا ثمَّ سرحوا بعد حِين وَلما قضى السُّلْطَان أعزه الله سنة الْعِيد نَهَضَ إِلَى مراكش فَلَمَّا قرب من زَاوِيَة ابْن ساسي بَين بِلَاد الرحامنة وزمران نزل هُنَالك على الرحامنة وَكَانُوا قد حصل مِنْهُم اعوجاج وتمرض فوظف عَلَيْهِم من الْأَمْوَال مَا أثقل ظُهُورهمْ وَفرض عَلَيْهِم من الْعَسْكَر وَالْخَيْل مَا امتحنوا فِي أَدَائِهِ وَلم يقم عَنْهُم حَتَّى أَدّوا جَمِيع ذَلِك وَحَتَّى خرج الْأَشْرَاف والمنتسبون من أهل مراكش إِلَى السُّلْطَان للشفاعة فيهم وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ فِي دُخُوله منزله فَقبل السُّلْطَان أيده الله شفاعتهم وارتحل عَنْهُم فَدخل مراكش آخر ذِي الْقعدَة من السّنة وَكَانَت مُدَّة مقَامه على الرحامنة سِتَّة عشر يَوْمًا وَكَانَ يَوْم دُخُوله إِلَى مراكش يَوْمًا مشهودا وَفِي رَابِع ذِي الْحجَّة بعده قبض على مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ شخصا من أَعْيَان أَوْلَاد أبي السبَاع وَكَانُوا قد عاثوا فِي ذَلِك الْحَوْز على عَادَتهم وَعظم ضررهم واستطار شررهم وَخَرجُوا على عاملهم السَّيِّد عبد الله بن بلعيد وصالوا على الْقَائِد أبي حَفْص عمر المتوكي وَكَانَ الْقَتْل بَينهم وَبَين شيعَة عاملهم ابْن بلعيد الْمَذْكُور ففر إِلَى السُّلْطَان بفاس فَأرْخى أعزه الله لَهُم الْحَبل وَأطَال عَلَيْهِم الرسن وَولى عَلَيْهِم الْقَائِد أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن زروال الرحماني صُورَة حَتَّى اطمأنوا بذلك وأنسوا وَلما قدم أعزه الله مراكش ضرب الْبعُوث على قبائل الْحَوْز فناب أَوْلَاد أبي السبَاع فِي ذَلِك ثَلَاثمِائَة فَارس فَقدمت مراكش بخيلها وأسلحتها وَكَانَ السُّلْطَان أيده الله يَوْمئِذٍ قد أَخذ فِي عرض بعوث الْقَبَائِل دَاخل مشور أبي الخصيصات فجَاء أَوْلَاد أبي السبَاع للعرض فَلَمَّا توسطوا المشور الْمَذْكُور أغلقت الْأَبْوَاب وَقبض عَلَيْهِم وجردوا من السِّلَاح وحملوا إِلَى السجْن وَكَانُوا مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ كَمَا قُلْنَا ثمَّ وَجه السُّلْطَان أعزه الله إِلَى حلتهم الْقَائِد الْعَرَبِيّ الرحماني مَعَ كَتِيبَة من الْجَيْش فنزلوا عَلَيْهِم وأغرمهم سِتِّينَ ألف ريال فأدوها فِي الْحَال بعد بيع ماشيتهم بأبخس ثمن وَحِينَئِذٍ بعث السُّلْطَان إِلَى عاملهم عبد الله بن بلعيد فاستدعاه من فاس وَقدم وولاه عَلَيْهِم فاطمأنوا وأطاعوا وجد السُّلْطَان أيده الله فِي جمع العساكر والاستعداد إِلَى أَوَاخِر صفر من سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف