كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
أنفسهم بعض الشَّيْء ثمَّ انْهَزمُوا وكبا بعمر جَوَاده فِي نافقاء بعض اليرابيع وانجلى الْغُبَار عَنهُ وَعَن مَوْلَاهُ ظافر راجلين فتقبض عَلَيْهِمَا وأوثقهما قَائِد الْعَسْكَر بِيَدِهِ حَتَّى إِذا جن اللَّيْل ذبحهما خوفًا من أَن تفتكهما الْعَرَب من يَده وَبعث برأسيهما إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن فوصلا إِلَيْهِ بباجية وخلص الفل من تِلْكَ الْوَقْعَة إِلَى قابس فتقبض عبد الْملك بن مكي صَاحبهَا على رجالات من أهل الدولة كَانَ فيهم أَبُو الْقَاسِم بن عتو من مشيخة الْمُوَحِّدين وصخر بن مُوسَى من رجالات سدويكش وَغَيرهمَا من أَعْيَان الدولة فَبعث بهم ابْن مكي إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن ممقرنين فِي الأصفاد فَأَما ابْن عتو وصخر بن مُوسَى وَعلي بن مَنْصُور فقطعهم من خلاق لفتيا الْفُقَهَاء بجرابتهم واعتقل الْبَاقِي
وسرح السُّلْطَان عساكره إِلَى تونس وَعقد عَلَيْهِم لصهره على ابْنَته يحيى بن سُلَيْمَان من بني عَسْكَر فاحتلوا بتونس ثمَّ جَاءَ السُّلْطَان على أَثَرهم فَنزل بظاهرها يَوْم الْأَرْبَعَاء الثَّامِن من جُمَادَى الْآخِرَة من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وتلقاه وَفد تونس وشيوخها من أهل الْفتيا وأرباب الشورى فآتوه طاعتهم وانقلبوا مسرورين بولايته مغتبطين بملكته وَكَانَت تونس يَوْمئِذٍ مشحونة بالأعلام الأكابر مِنْهُم ابْن عبد السَّلَام وَابْن عَرَفَة وَابْن عبد الرفيع وَابْن رَاشد القفصي وَابْن هَارُون وأعلام آخَرُونَ ثمَّ عبا السُّلْطَان أَبُو الْحسن يَوْم السبت مواكبه لدُخُول الحضرة فَصف جُنُوده سماطين من مُعَسْكَره بسيجوم إِلَى بَاب الْبَلَد نَحْو أَرْبَعَة أَمْيَال وَركبت بَنو مرين من مراكزهم من جموعهم وَتَحْت راياتهم وَركب السُّلْطَان من فسطاطه وَعَن يَمِينه وليه عريف بن يحييى كَبِير سُوَيْد ويليه أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن تافراجين وَعَن يسَاره الْأَمِير أ [وَعبد الله مُحَمَّد بن أبي زَكَرِيَّاء وَهُوَ أَخُو السُّلْطَان أبي بكر ويليه الْأَمِير أَبُو عبد الله ابْن أَخِيه خَالِد كَانَا معتقلين بقسنطينة فأطلقهما السُّلْطَان أَبُو الْحسن وصحببوه إِلَى تونس فَكَانُوا طراز ذَلِك الموكب فِيمَن لَا يُحْصى من أعياص بني مرين وكبرائهم وهدرت طبوله وخفقت راياته وَكَانَت يَوْمئِذٍ نَحْو الْمِائَة وَجَاء السُّلْطَان والمواكب تَجْتَمِع عَلَيْهِ صفاصفا إِلَى أَن وصل إِلَى الْبَلَد
الَّتِي أَتَى بهامن طنجة وَحِينَئِذٍ يذهب مَعَهم السُّلْطَان إِلَى الْحَوْز فَفعل الْوَزير ذَلِك كُله وَتقدم الْمولى عبد الرَّحْمَن فِي جَيْشه إِلَى قصركتامة
قَالَ الْوَزير الْمَذْكُور فَلَمَّا جِئْنَا الْقصر وجدنَا السُّلْطَان لَا زَالَ مُقيما بطنجة فتقدمت إِلَيْهِ وأعلمته بوصول الْمولى عبد الرَّحْمَن وجيشه إِلَى الْقصر فَخرج السُّلْطَان من طنجة وَجعل طَرِيقه على آصيلا وَلما بَات بسوق الْأَحَد بالغربية بعث إِلَيْهِ الْمولى المجذوب سَيِّدي مُحَمَّد بن مَرْزُوق يَدعُوهُ للقدوم عَلَيْهِ والبيات عِنْده فَأجَاب دَعوته وَدخل عَلَيْهِ وتبرك بِهِ وَمن هُنَاكَ كتب إِلَى ابْن أَخِيه الْمولى عبد الرَّحْمَن أَن يتَقَدَّم بالجيش إِلَى العرائش ويلقاه بِهِ هُنَالك فَفعل الْمولى عبد الرَّحْمَن وَهُنَاكَ اجْتمع بِعَمِّهِ السُّلْطَان الْمولى سُلَيْمَان فسر بمقدمه ودعا لَهُ بِخَير وَأثْنى عَلَيْهِ بِمحضر أُولَئِكَ الْمَلأ من النَّاس ثمَّ دَعَا السُّلْطَان قواد الْحَوْز فيهم الْقَائِد عبد الْملك بن بيهي والقائد عَليّ بن مُحَمَّد الشيظمي وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن الغنيمي نَائِبا عَن الْحَاج حمان الْعَبْدي وَكَانَ فِي ركابه ابْنه فضول بن حمان صَغِيرا والقائد بلعباس بن المزوار الدكالي البوزراري والحاج الْعَرَبِيّ بن رقية البوزراري والقائد مُحَمَّد بن حَدِيدَة البوعزيزي والقائد الْمُعْطى الحمري والقائد الصّديق ابْن الْفَقِيه العمراني وَلم يكن فيهم من الرحامنة إِلَّا الْحَاج الْمُعْطى بن مُحَمَّد الْحَاج وَلم يكن فيهم من السراغنة وَلَا من الشاوية أحد وَلما اجْتَمعُوا خرج عَلَيْهِم السُّلْطَان وَجلسَ على طنفسة ثمَّ دَعَا بالقائد عبد الْملك بن بيهي فأجلسه إِلَى جنبه ودعا لَهُ بِخَير ثمَّ قَالَ إِنَّكُم تعبتم فِي سَبِيل الله وَنحن أتعب مِنْكُم ونسأل الله أَن لَا يضيع أجرنا وأجركم وأعلموا أَنكُمْ فِي طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله وَلكم المزية التَّامَّة وَقد وَجب علينا الْإِحْسَان إِلَيْكُم وَقد ظهر لي أَنكُمْ حِين وصلتم إِلَى هَذَا الْمحل لَا يَنْبَغِي لكم أَن ترجعوا بِدُونِ زِيَارَة مَوْلَانَا إِدْرِيس وَكنت أردْت أَن أوجهكم إِلَى بِلَادكُمْ من هُنَا وَلَكِن أَنا لايمكنني أَن أرجع إِلَّا بعد أَن يحكم الله بيني وَبَين هَؤُلَاءِ الخارجين عَن الْحق وَأَنْتُم لَا يجمل بكم أَن ترجعوا بِغَيْر سُلْطَان فَاصْبِرُوا قَلِيلا وتمموا عَمَلكُمْ حَتَّى تذْهبُوا إِن شَاءَ الله بسلطانكم فرحين مستبشرين
(جاءتك تطلبك الْقبُول عائذة ... بِاللَّه من شَرّ وسواس وخناس)
(فليهنها أَنَّهَا تشرفت بك إِذْ ... حوت مَعَاني من مديحك الراسي)
(وَأَنَّهَا لَك قد وافت مهنئة ... بليلة ذَات أسفار وإهلاس)
(أكْرم بهَا لَيْلَة غراء قد فضلت ... بِأَفْضَل الرُّسُل كل ذَات إغباس)
(إِذْ أشرق الْكَوْن من أنوار مولده ... حَتَّى كَفاهُ سناها كل نبراس)
(والشرك فِي الْهون قد أضحت طوائفه ... مستيقنين حُلُول الْبُؤْس والبأس)
(إِذْ هالهم أَمر أَحْمد وأوقعهم ... فِي حيرة عبثت بهم وإبلاس)
(تيقنوا أَنه مَا كَانَ يُخْبِرهُمْ ... بِشَأْنِهِ كل قسيس وشماس)
(وأصبحت جملَة الْأَصْنَام سَاقِطَة ... منكسات الرؤوس أَي تنكاس)
(وَفِي انصداع الْبناء أَصبَحت عبر ... لَهُم كَذَا فِي خمود نَار أَفْرَاس)
(وَالْجِنّ لَا تصل السَّمَاء إِذْ منعت ... مِنْهَا بشهب لرميها وحراس)
(وَمن يرم مِنْهُم للسمع مسترقا ... ينحط محترقا مِنْهَا بمقباس)
(مُحَمَّد صفوة الْبَارِي وَخيرته ... من خلقه الْجِنّ والأملاك وَالنَّاس)
(جَاءَت شَرِيعَته البيضا مطهرة ... للدّين من كل أدران وأدناس)
(وَلم تزل أمد الْأَعْصَار رَافِعَة ... عَن الْهَدْي كل شُبْهَة وتدلاس)
(أصل الْهدى والندى فَلَيْسَ يُشبههُ ... هطال غيث وَلَا تيار رجاس)
(فَلَا تقسه بِشَيْء فِي مكارمه ... فَمَا ترام خلاله بمقياس)
(فَإِنَّهُ الْبَحْر فِي فضل وَفِي كرم ... وَفِي الشجَاعَة ضيغم بأخياس)
(كَانُوا بِهِ يَتَّقُونَ فِي الوغا بَدَلا ... عَن اتِّخَاذ مغافر وأتراس)
(أسرى بِهِ الْملك الْأَعْلَى لحضرته ... وَالروح مونسه أتم إيناس)
(وَاللَّيْل أحرس لَيْسَ فِيهِ يسمع من ... صياح ديك وَلَا عواء لواس)
(حَتَّى دنا فَتَدَلَّى ثمَّ كَلمه ... وَقد رأى ربه بمقة الراس)
(ونال من فَضله عزت جلالته ... مَا لَا يسام بأوهام وأحداس)
(فآب وَالدّين أسست قَوَاعِده ... على أصُول حميدة وأساس)
(ترَاهُ كَالْقَمَرِ الْمُنِير فِي غسق ... من الدجى بَين أَصْحَاب وجلاس)
(غَدا يحدث والملا يصدقهُ ... وَلَيْسَ يرتاب غير المائق الماس)
الصفحة 156