كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
وَسَبْعمائة فَاجْتمع شَمله واستتب أمره وَكتب إِلَى صَاحب مصر فِي التقبض على ابْن تافراجين فأجاره بعض الْأُمَرَاء وَانْصَرف لقَضَاء فَرِيضَة الْحَج واعتمل السُّلْطَان أَبُو الْحسن فِي إصْلَاح أسوار تونس وإدارة الخَنْدَق عَلَيْهَا وَأقَام لَهَا من الصيانة والحصانة رسما دفع بِهِ فِي نحر عدوه وَبَقِي لَهُ ذكره من بعده ثمَّ أجلب الْعَرَب وسلطانهم ابْن أبي دبوس على تونس ونازلوا أَبَا الْحسن بهَا واستبلغوا فِي حصاره وخلصت ولَايَة أَوْلَاد مهلهل للسُّلْطَان فعول عَلَيْهِم ثمَّ رَاجع بَنو حَمْزَة بصائرهم وصاروا إِلَى مهادنته فعقد لَهُم السّلم وَدخل عَلَيْهِ عمر بن حَمْزَة وافدا فحبسه حَتَّى قبض إخوانه على أَمِيرهمْ ابْن أبي دبوس وقادوه إِلَيْهِ استبلاغا فِي الطَّاعَة وإمحاضا للولاية فَتقبل فئتهم وأودع ابْن أبي دبوس السجْن وَعقد الصهر بَينه وَبَين عمر بن حَمْزَة فزوج ابْنه عمر بِابْنِهِ أبي الْفضل وَاخْتلفت أَحْوَال هَؤُلَاءِ الْعَرَب على السُّلْطَان أبي الْحسن فِي الطَّاعَة تَارَة والانحراف أُخْرَى مُدَّة إِقَامَته بتونس إِلَى أَن كَانَ مَا نذكرهُ وَالله غَالب على أمره
انْتِقَاض الْأَطْرَاف وثورة أبي عنان ابْن السُّلْطَان أبي الْحسن واستيلاؤه على الْمغرب
قد تقدم لنا أَن السُّلْطَان أَبَا بكر الحفصي رَحمَه الله لما زوج ابْنَته من السُّلْطَان أبي الْحسن بعث مَعَهُمَا فِي زفافها شقيقها أَبَا الْعَبَّاس الْفضل بن أبي بكر وَأَن خبر وَفَاة وَالِده أدْركهُ وَهُوَ بِالطَّرِيقِ وَلما وصل إِلَى السُّلْطَان أبي الْحسن عزاهُ عَن مصاب أَبِيه ووعده بالمظاهرة على ملكه فَبَقيَ عِنْده بتلمسان إِلَى أَن نَهَضَ فِي صحبته إِلَى إفريقية فَلَمَّا غلب السُّلْطَان أَبُو الْحسن على بجاية وقسنطينة وارتحل إِلَى تونس عقد لَهُ على بونة الَّتِي كَانَ يَلِي عَملهَا أَيَّام أَبِيه فَانْقَطع أمله وَفَسَد ضَمِيره وطوى على البث حَتَّى إِذا كَانَت نكبة القيروان سما إِلَى التوثب على ملك سلفه وَكَانَ أهل قسنطينة وبجاية قد سئموا ملكة بني مرين وبرموا بولايتهم لمخالفتهم بعض العوائد الَّتِي كَانَت لَهُم مَعَ الْمُلُوك
عَلَيْهِم فَقبض عَلَيْهِم وحيزت خيلهم وسلاحهم فشرى الدَّاء وأعوز الدَّوَاء ثمَّ زحف السُّلْطَان وانتشبت الْحَرْب أول النَّهَار وَلما اشْتَدَّ الْحر وَكَانَ الزَّمَان زمَان مصيف تحاجزوا ثمَّ عَاد قَاسم الرحماني فأنشب الْحَرْب مَعَ الْعشي فَكَانَت الدبرة عَلَيْهِ وَقتل وَحمل رَأسه على رمح وَانْهَزَمَ جَيش المخزن وَوَقع الفشل فِي الْمحلة فتفرقت الْقَبَائِل وَبَاتُوا لَا يلوون على شَيْء وَلما طلع النَّهَار لم يبْق مَعَ السُّلْطَان إِلَّا جَيش المخزن فزحف الشراردة إِلَى الْمحلة وَرَأَوا السُّلْطَان قد بَقِي فِي قلَّة فطمعوا فِيهِ وأنشبوا الْحَرْب فَانْهَزَمَ الْجَيْش الَّذين كَانُوا مَعَ السُّلْطَان وَتركُوا الْمحلة بِمَا فِيهَا فتوزعتها الشراردة شذر مذر وانحاز السُّلْطَان فِي حَاشِيَته وَقصد مراكش فلقيتهم فِي طريقهم ساقية مَاء حبستهم عَن الْمُرُور وخالط الشراردة الْقَوْم الَّذين كَانُوا مَعَ السُّلْطَان وَجعلُوا يستلبون من ظفروا بِهِ مِنْهُم وتراكم المنهزمة على السُّلْطَان ولجؤوا إِلَيْهِ وَقتل الشراردة عمر بن أبي سِتَّة خلف ظَهره
وَلما رأى السُّلْطَان رَحمَه الله ذَلِك نَادَى فِي النَّاس أَن لَا يقتل أحد نَفسه على وَلَا على هَذِه الأسلاب أعطوهم مِنْهَا مَا شاؤوا وَاجْتمعَ نَحْو الْعشْرين من كبار الشراردة وتقدموا إِلَى السُّلْطَان فَقَالُوا يَا مَوْلَانَا تحيز إِلَيْنَا لِئَلَّا تصيبك الْعَامَّة فانحاز إِلَيْهِم وَكَانَ رَاكِبًا على بغلته فالتفوا عَلَيْهِ وَسَارُوا بِهِ إِلَى زاويتهم وأنزلوه بِالدَّار الْمَعْرُوفَة عِنْدهم بدار الْمَوْسِم واحترموه وغدوا وراحوا فِي خدمته وَكَانَ مَعَ وصيفه فرجى صَبيا صَغِيرا وَهُوَ الَّذِي ولي إِمَارَة فاس الْجَدِيد فِي دولة السُّلْطَان الْمولى عبد الرَّحْمَن بن هِشَام وَكَانَ مَعَه أَيْضا عبد الْخَالِق بن كريران الحريزي شَابًّا كَمَا بقل عذاره وَبَقِي عِنْدهم ثَلَاثَة أَيَّام وَحَضَرت الْجُمُعَة فَصلاهَا عِنْدهم وخطبوا بِهِ وَمن الْغَد ركبُوا مَعَه وصحبوه إِلَى مراكش إِلَى أَن وصلوا إِلَى عين أبي عكاز فودعوه وَرَجَعُوا وَمِمَّا قَالَ لَهُم عِنْد الْوَدَاع إِن الَّذين أَرَادوا أَن يفتحوا بَاب الْفِتْنَة على النَّاس قد سد الله أَبْوَابهَا برؤوسهم يَعْنِي الرحامنة وَبعد وُصُول السُّلْطَان إِلَى مراكش
وفرت عرب عَامر من بني حسن إِلَى زمور الشلح وَكَانَ النَّاس يظنون أَن السُّلْطَان يَغْزُو فِي هَذِه السّنة برابرة الْجبَال والصحراء فَخرج الْأَمر بِخِلَاف ذَلِك
وَفِي هَذِه الْمدَّة وَفد على السُّلْطَان أيده الله عدَّة باشدورات للآجناس مثل باشدور الفرنسيس والإصبنيول والبرتغال وَتكلم الفرنسيس فِي شَأْن بابور الْبر والتلغراف وإجرائهما بالمغرب كَمَا هما بِسَائِر بِلَاد الْمَعْمُور وَزعم أَن فِي ذَلِك نفعا كَبِيرا للْمُسلمين وَالنَّصَارَى وَهُوَ الله عين الضَّرَر وَإِنَّمَا النَّصَارَى أجربوا سَائِر الْبِلَاد فأرادوا أَن يجربوا هَذَا الْقطر السعيد الَّذِي طهره الله من دنسهم نَسْأَلهُ سُبْحَانَهُ أَن يكْتب كيدهم ويحفظ الْمُسلمين من شرهم ثمَّ نَهَضَ السُّلْطَان نَصره الله من مكناسة فِي أواسط رَجَب فِي جمع وافر وعدة كَامِلَة فاجتاز بِبِلَاد زمور الشلح فأظهروا لَهُ غَايَة الطَّاعَة والخضوع وقدمت عَلَيْهِ وفودهم من كل جَانب رافعين أعلامهم وشارتهم وزينتهم الَّتِي يستعملونها فِي مواسمهم وأعيادهم وأدوا لَهُ من المَال والمؤن والضيافات مَا استكثر النَّاس ذَلِك وتحدثوا بِهِ ثمَّ زحف إِلَى عرب السهول من أَعمال سلا فأوقع بهم وشرد بهم من خَلفهم وَكتب أعزه الله فِي الْعشْرين من رَمَضَان إِلَى الْآفَاق يعلمهُمْ بِمَا أتاح الله لَهُ من الظُّهُور والنصر والسعادة وخضوع قبائل البربر لَهُ وتباريهم فِي طَاعَته وخدمته وبذلهم من الجباية مَا لم يَكُونُوا يبذلون الْقَلِيل مِنْهُ لغيره وَذكر فِي كِتَابه أَن ذَلِك كُله بمحض فضل الله ومجاري السَّعَادَة وَحسن السياسة من غير ضرب وَلَا طعن وَلَا سفك دم حَتَّى أَن قَبيلَة بني حكم قد أظهرُوا بعض الاعوجاج فَقَامَ إِلَيْهِم إخْوَانهمْ من زمور فَقومُوا اعوجاجهم حَتَّى فاؤوا إِلَى أَمر الله وَكفى الله السُّلْطَان أَمرهم ثمَّ ذكر فِي كِتَابه أعزه الله أَمر السهول وَأَنه بعد أَن أوقع بهم أَمر بِجمع فَلهم وَرَأى استصلاح كلهم تَأْمِين جلهم لعمارة بِلَادهمْ بهم رَجَاء نفع مَا تقدم من أدبهم
وَفِي لَيْلَة الْجُمُعَة الرَّابِع عشر من شعْبَان من السّنة خسف الْقَمَر خسوفا
الصفحة 162