كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
يحب الْفَخر ويعنى بِهِ وَقَالَ بعض المشارقة فِي حَقه مَا صورته ملك أَضَاء الْمغرب بأنوار هلاله وَجَرت إِلَى الْمشرق أنواء نواله وَطَابَتْ نسماته واشتهرت عزماته كَانَ حسن الْكِتَابَة كثير الْإِنَابَة ذَا بلاغة وبراعة وشهامة وشجاعة اه وَبنى رَحمَه الله عدَّة مدارس مِنْهَا الْمدرسَة الْعُظْمَى بمراكش قبلي جَامع ابْن يُوسُف قَالَ الْعَلامَة اليفرني فِي النزهة إِن الَّذِي بناها هُوَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن الْمَذْكُور قلت وَمن وقف على هَذِه الْمدرسَة وَتَأمل تنجيدها وتنميقها قدر هَذَا السُّلْطَان وَعلم عظم أهميته ومحبته للْعلم وَأَهله وَمِنْهَا الْمدرسَة الْعُظْمَى بطالعه سلا قبلي الْمَسْجِد الْأَعْظَم مِنْهَا بناها رَحمَه الله على هَيْئَة بديعة وصنعة رفيعة وأودع جوانبها من أَنْوَاع النقش وضروب التخريم مَا يحير الْبَصَر ويدهش الْفِكر ووقف عَلَيْهَا عدَّة أوقاف رصع أسماءها بالنقش والأصباغ على رخامة عَظِيمَة ثمَّ نصب الرخامة بِالْحَائِطِ الجوفي مِنْهَا كل ذَلِك مُحَافظَة على تِلْكَ الْأَوْقَاف أَن تغير وَأما الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومدرسته الجوفية فهما من بِنَاء يَعْقُوب الْمَنْصُور الموحدي حَسْبَمَا تقدم ذَلِك فِي أخباره وَعِنْدِي أَن السُّور الْمَحْمُول عَلَيْهِ المَاء الدَّاخِل إِلَى سلا الْمَعْرُوف عِنْدهم بسور الأقواس من بِنَاء السُّلْطَان أبي الْحسن رَحمَه الله ولي فِي ذَلِك مُسْتَند غَرِيب وَهُوَ أَنِّي كنت ذَات يَوْم أفاوض بعض القناقنة بسلا مِمَّن كَانَ يُبَاشر أَمر الْمِيَاه بهَا وَيصْلح مَا احْتَاجَ إِلَى الْإِصْلَاح مِنْهَا فَقلت كالمستفهم لنَفْسي من غير قصد تَوْجِيه الْخطاب إِلَيْهِ يَا ترى من الَّذِي بنى سور المَاء الدَّاخِل إِلَى الْبَلَد فَقَالَ على البديهة الَّذِي بنى الْمدرسَة هُوَ الَّذِي بنى سور المَاء فَقلت لَهُ وَكنت متشوفا يَوْمئِذٍ لتحقيق ذَلِك وَمَا علمك بِهَذَا فَقَالَ إِن بيلة الْمدرسَة بنيت يَوْم بنيت الْمدرسَة بِدَلِيل الزليج المرصوف حولهَا بِالْعَمَلِ الْكَبِير الْمَوْجُود نَظِيره فِي سَائِر حيطان الْمدرسَة وسواريها وَهَذِه البيلة لم تَتَغَيَّر عَن حَالهَا إِلَى أَن باشرت إصلاحها فِي هَذِه الْأَيَّام فحفرت عَن قنواتها وتتبعت مَادَّة المَاء الْوَاصِل إِلَيْهَا فَإِذا عمل تِلْكَ القوادس وصنعة بنائها حَتَّى الكلس المفرغ عَلَيْهَا الْجَامِع بَينهَا مماثل لعمل قنوات مَبْنِيَّة بالسور الْمَذْكُور دَاخِلَة فِيهِ بِحَيْثُ بنى عَلَيْهَا يَوْم تأسيسه من غير
الْمَذْكُور وَإِلَّا أفْضى الْحَال إِلَى مَا لَا يَلِيق فَرَأى السُّلْطَان أعزه الله أَن من الْوَاجِب أَن ينْهض إِلَى تِلْكَ الْبِلَاد ليباشر أمرهَا بِنَفسِهِ لَا سِيمَا وَكَانَ أَهلهَا قد بعد عَهدهم بإجراء الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة فِيمَا بَينهم على مقتضياتها فَنَهَضَ إِلَيْهَا فِي رَمَضَان من السّنة الْمَذْكُورَة فَانْتهى مِنْهَا إِلَى قرب وَادي نول ومهد أقطارها وَولى على أَهلهَا الْقُضَاة والعمال وَاتخذ هُنَاكَ مرسى للوسق والوضع تسمى آساكا وَكتب فِي ذَلِك كتابا لولاة الْمغرب يَقُول فِيهِ بعد الِافْتِتَاح أما بعد فَإنَّا لما نهضنا من مراكش بحول الله وقوته وسطوته الباهرة وصولته وجيوش الله المظفرة موفورة وَجُنُوده سُبْحَانَهُ مقطورة وأعلامها منشورة منصورة نهضة مُعْتَمد على مَوْلَاهُ متقلد لما قذف فِي قلبه فأبداه متمسك بعروته الوثقى الَّتِي من استمسك بهَا بلغ مناه وانتهينا بمعونة الله لمبدأ هَذِه الأقطار السوسية وامتطينا صهوتها وَهِي ذلولا فِي ربوع الْيمن ساعيه وبنود الله خافقة على مفارق الظفر وبذرى الْمجد سامية تواردت على حضرتنا الْعَالِيَة بِاللَّه الْوُفُود متناسقة متتابعة وانتظمت فِي سلك السّمع وَالطَّاعَة والخدمة الجامعة فتسارعوا إِلَى مَا إِلَيْهِ دعوا وتلقوه تلقي الظمآن فنهلوا وكرعوا وأوقدوا لوفود كبرائهم وأعيانهم وأشياخهم مصباحا واستضاؤوا بضياء نور الله غدوا ورواحا ومدوا أَعْنَاق الإذعان وبسطوا أَيدي المسالمة والإبقاء عَلَيْهِم والامتنان بعد مَا كَانَت قد بلغت مِنْهُم الْقُلُوب الْحَنَاجِر وارتعدت فرائصهم من هَيْبَة الله ثمَّ اطْمَأَن الْبر وشرق الْفَاجِر وانتهبت أجفان المراسم المخزنية الَّتِي عفت بعد نومتها فَانْظُر إِلَى أثر رَحْمَة الله كَيفَ يحيي الأَرْض بعد مَوتهَا وصرفنا إِلَيْهِم عنان التَّرْتِيب بعد أَن وطأنا لَهُم كنف الترحيب فبوأنا من توسمنا فِيهِ الْأَهْلِيَّة للتولية على إخوانه مهادا وقلدناه أَمرهم جمعا وفرادى وضربنا للْكُلّ فِيهَا على مُقْتَضى السياسة بمعونة الله بِسَهْم مُصِيب وأرعيناه من مربع خدمتنا الشَّرِيفَة المرعى الخصيب حَتَّى وَقع التَّمَكُّن من أزمتهم وأجلسنا خاصتهم وعمالهم على أسرتهم فاتصلت بهم المخزنية اتِّصَال الْأَرْوَاح بالأجساد واستنارت هَذِه الأرجاء بِنور الله اسْتِنَارَة عَمت الْحَاضِر والباد فأدوا من الطّرف والهدايا مَا فِيهِ غنية لمن ركب متن المزايا
الصفحة 175