كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
فِي زمَان أَبِيه والجديدة حِين ولي الْخلَافَة وَله فِي هَذِه الْمَدِينَة عدَّة آثَار سوى الزاويتين من القناطر والسقايات وَغَيرهَا وَمن أجل ذَلِك الْمدرسَة الجديدة بهَا وَكَانَ قدم للنَّظَر على بنائها قاضيه على الْمَدِينَة الْمَذْكُورَة وَلما تمّ بناؤها جَاءَ إِلَيْهَا من فاس ليقف عَلَيْهَا وَيرى عَملهَا وصنعتها فَقعدَ على كرْسِي من كراسي الْوضُوء حول صهريجها وَجِيء بالرسوم المتضمنة للتنفيذات اللَّازِمَة فِيهَا فغرقها من الصهريج قبل أَن يطالع مَا فِيهَا وَأنْشد
(لَا بَأْس بالغالي إِذا قيل حسن ... لَيْسَ لما قرت بِهِ الْعين ثمن)
وَكَانَ لَهُ معرفَة بالشعر فَمن شعره قَوْله
(أرضي الله فِي سر وجهر ... وأحمي الْعرض عَن دنس ارتياب)
(وَأعْطِي الوفر من مَالِي اخْتِيَارا ... وأضرب بِالسَّيْفِ طلي الرّقاب)
وأخباره كَثِيرَة وَمن أَرَادَ الْوُقُوف على تفاصيلها فَعَلَيهِ بِكِتَاب الْخَطِيب بن مَرْزُوق الَّذِي أَلفه فِي دولته وَسيرَته وَسَماهُ الْمسند الصَّحِيح الْحسن من أَحَادِيث السُّلْطَان أبي الْحسن وَلما ذكر الْوَزير ابْن الْخَطِيب فِي كِتَابه رقم الْحلَل هَذَا السُّلْطَان وَصفه بقوله
(الْملك الْمَعْدُود من خير سلف ... ومجموع القَوْل إِذا القَوْل اخْتلف)
(الدّين والعفاف وَالْجَلالَة ... والعز وَالْقُدْرَة والجزالة)
(وَالْعلم والحلم وَفضل الدّين ... وصفوه الصفوة من مرين)
(ممهد الْملك ومسدي المنن ... وَوَاحِد الدَّهْر وفخر الزَّمن)
(باني المباني النخبة الشَّرِيفَة ... بِمُقْتَضى همته المنيفة)
(وتارك الْمدَارِس الظريفة ... شاهدة بِأَنَّهُ الْخَلِيفَة)
(وقاطع الدَّهْر بِغَيْر لَهو ... فِي مجْلِس مُعظم أَو بهو)
(أما لتدريس وَعلم يدرس ... أَو لبلاد من عَدو تحرس)
(أَو لأياد فِي عباد ثغرس ... أَو لثواب ورضا يلْتَمس)
(أَو نسخ قُرْآن وَعرض حزب ... أَو عدَّة معدة لِحَرْب)
وَمن أَعْيَان وزرائه عَامر بن فتح الله السدراتي وَعبد الله بن إِبْرَاهِيم
من أضحى يتقلب فِي رضَا الله وَرَسُوله وَأمسى ثمَّ وجهنا مَعَهم سَرِيَّة من أَعْيَان الْجَيْش مُعْتَبرَة وَمَعَهُمْ من الْفُقَهَاء والمهندسين من يعْتد بهم فِي رسم تِلْكَ المرسى وتخطيطها على نهج الْقَوَاعِد المقررة والأعمال المحررة اقْتضى الْمقَام وَالْحَال تسبيقها رفقا بعباد الله واعتبارا بِأَن الله سُبْحَانَهُ قد قضى الْغَرَض ووهبه وأسداه وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله قل إِن الْفضل بيد الله وَمَا بكم من نعْمَة فَمن الله ثمَّ أَقَمْنَا فِي الْمحل الْمَذْكُور لانتظارهم فِي تشييد منارهم فَإِن انقلبوا بِالْمَقْصُودِ فَالْحَمْد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات وَإِن لم يشفوا الغليل شددنا بحول الله لذَلِك المرسى عَزمَات الرحيل وقطعنا تِلْكَ المفازات هَذَا وَقد نصبنا قائدا من قواد جيشنا السعيد مُخْتَارًا من ذَوي الرَّأْي السديد وأقمناه بقصبة تيزنيت مَحل المخزن فِي الْقَدِيم بِقصد أَن يكون إِعَانَة لسَائِر عُمَّال الْقطر السُّوسِي من وَادي والغاس إِلَى مُنْتَهى وَادي نول وكليميم يتفاوضون مَعَه فِيمَا عَسى أَن يعرض لَهُم من الْمُهِمَّات وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ المخزن بَعيدا عَن هَذِه الشرفات بعد مَا عرفناهم بِأَنا أقمناه مشرفا للتفاوض مَعَه وبصيرة على مَا قصدنا من فتح ذَلِك المرسى إيثارا للنعمى ودفعا للبؤسى فَفَرِحُوا بذلك فَرح الظمآن الْوَارِد والضال الْوَاجِد وَوَقع الْإِشْهَاد عَلَيْهِم بِكُل مَا فصلناه وأبرم عقده مَعَهم على نَحْو مَا رسمناه فَكَانَ ذَلِك تَمام الْعَمَل الَّذِي قصدناه والمورد الَّذِي أردناه وانتحيناه وَالله تَعَالَى يخلص فِي ذَاته الْعَمَل وَيجْعَل هَذِه الوجهة الْمُبَارَكَة بفضله ومنته من الْجِهَاد المتقبل إِنَّه جواد كريم متفضل غَنِي حَلِيم وَالسَّلَام فِي متم شعْبَان عَام تِسْعَة وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ وَألف انْتهى كتاب السُّلْطَان أيده الله
وَفِي أَوَاخِر صفر سنة اثْنَتَيْنِ وثلاثمائة وَألف قَامَ نواب الإصبنيول من مراسي الْمغرب الْأَقْصَى بعد أَن أَقَامُوا بهَا نيفا وَعشْرين سنة لِاسْتِيفَاء مَا وَقع الصُّلْح عَلَيْهِ فِي حَرْب تطاوين وَكَانَ جملَة المَال الْمصَالح عَلَيْهِ عشْرين مليونا من الريال الْكَبِير وَكَانَ السُّلْطَان سَيِّدي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن رَحمَه الله قد دفع مِنْهُ عشرَة ملايين مُعجلَة وَالْعشرَة الْبَاقِيَة هِيَ الَّتِي استوفاها الإصبنيول فِي الْمدَّة الْمَذْكُورَة أَقَامَ أمناءه مَعَ أُمَنَاء السُّلْطَان بمراسي الْمغرب
الصفحة 177