كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
وَفِي سنة خمس وَعشْرين بعْدهَا لَيْلَة الْجُمُعَة السَّادِس وَالْعِشْرين من جُمَادَى مِنْهَا دخل السَّيْل الْعَظِيم مَدِينَة فاس وَكَاد يَأْتِي عَلَيْهَا بِحَيْثُ هدم الدّور والمساجد والأسواق وَأهْلك آلافا من الْخلق حَتَّى خيف على الْبَلَد التّلف
وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين وَسَبْعمائة انْتهى تَارِيخ ابْن أبي زرع الْمُسَمّى بالأنيس الْمغرب القرطاس فِي أَخْبَار مُلُوك الْمغرب وتاريخ مَدِينَة فاس وَمِمَّا هُوَ الْغَايَة فِي بَاب الأغراب مَا ذكره ابْن خلدون قَالَ حضر أشياخنا بِمَجْلِس السُّلْطَان أبي الْحسن وَقد رفع إِلَيْهِ امْرَأَتَانِ من أهل الجزيرة الخضراء ورندة حبستا أَنفسهمَا عَن الْأكل جملَة مُنْذُ سِنِين وشاع أَمرهمَا وَوَقع اختبارهما فصح شَأْنهمَا واتصل على ذَلِك حَالهمَا إِلَى أَن ماتتا وذكرهما أَيْضا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْمقري فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالمحاضرات قَالَ وَردت على تلمسان فِي الْعشْرَة الْخَامِسَة من الْمِائَة الثَّامِنَة امْرَأَة من رندة لَا تَأْكُل وَلَا تشرب وَلَا تبول وَلَا تتغوط وتحيض فَلَمَّا اشْتهر هَذَا من أمرهَا أنكرهُ الْفَقِيه أَبُو مُوسَى ابْن الإِمَام وتلى كَانَا يأكلان الطَّعَام فَأخذ النَّاس يبثون ثِقَات نِسَائِهِم ودهاتهن إِلَيْهَا فكشفوا عَنْهَا بِكُل وَجه يمكنهن فَلم يَقِفن على غير مَا ذكر وسئلت هَل تشتهين الطَّعَام فَقَالَت هَل تشتهون التِّبْن بَين يَدي الدَّوَابّ وسئلت هَل يَأْتِيهَا شَيْء فَأخْبرت أَنَّهَا صَامت ذَات يَوْم فأدركها الْجُوع والعطش فنامت فَأَتَاهَا آتٍ فِي النّوم بِطَعَام وشراب فَأكلت وشربت فَلَمَّا أفاقت وجدت نَفسهَا قد استغنت فَهِيَ على تِلْكَ الْحَال تُؤْتى فِي الْمَنَام بِالطَّعَامِ وَالشرَاب إِلَى الْآن وَلَقَد جعلهَا السُّلْطَان فِي مَوضِع بقصره وحفظها بالعدول وَمن يكْشف عَمَّا عَسى تَجِيء أمهَا بهَا إِذا أَتَت إِلَيْهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلم يُوقف لَهَا على أَمر قَالَ بيد أَنِّي أردْت أَن يُزَاد فِي عدد الْعُدُول وَيضم إِلَيْهِم الْأَطِبَّاء وَمن يَخُوض فِي المعقولات من عُلَمَاء الْملَل الْمُسلمين وَغَيرهم ويوكل من نسَاء الْفرق من يُبَالغ فِي كشف من يدْخل إِلَيْهَا وَلَا يتْرك أحدا يَخْلُو بهَا وَبِالْجُمْلَةِ يُبَالغ فِي ذَلِك ويستدام رعيها عَلَيْهِ سنة لاحْتِمَال أَن يغلب عَلَيْهَا طبع فتستغني فِي فصل دون فصل ثمَّ يكْتب هَذَا فِي الْعُقُود ويشاع أمره فِي الْعَالم وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يهدم حكم الطبيعة الَّذِي
السّنة الْمَذْكُورَة خرج السُّلْطَان مولَايَ الْحسن أيده الله من حَضْرَة مراكش غازيا بِلَاد السوس الْأَقْصَى وَمَا وَرَاءَهَا من عرب معقل وَسَائِر قبائل الصَّحرَاء لما بلغه من اضْطِرَاب الرعايا بِتِلْكَ الْبِلَاد وخروجهم على ولاتهم وَأَن بعض تجار النجليز قد تسور على مرسى بِتِلْكَ السواحل يُسمى طرفاية وَوصل يَده فِي البيع وَالشِّرَاء بِبَعْض الْقَبَائِل الَّذين هُنَاكَ وَأَرَادَ أَن يَبْنِي بِالْمحل الْمَذْكُور فَنَهَضَ السُّلْطَان أيده الله لحسم مَادَّة هَذَا الْفساد وَلما توَسط بِلَاد السوس وَأصْلح أحوالها وثقف أطرافها كتب كتابا إِلَى وُلَاة الْمغرب يَقُول فِيهِ بعد الِافْتِتَاح مَا نَصه وَبعد فَإنَّا بحول الله الْقوي الْمعِين الفاتح لما اغلق كَمَا يَشَاء فِي الْحِين أَو بعد حِين الْمُؤَيد بعنايته عَبده فِي كل مصدر ومورد وتحريك وتسكين كتبنَا إِلَيْكُم هَذَا يَوْم حلولنا وسط خدامنا قبائل آيت باعمران بحبوحة مجامع قبائل السوس الْأَقْصَى ومناخ الْأَعْيَان نعلمكم بِمَا وَاجَهنَا الْمولى سُبْحَانَهُ فِي هَذِه الْحَرَكَة الْمُبَارَكَة من تعاقب المنن والأيادي وابتسام ثغر الزَّمَان بِمَا أملناه من الْعلي المنان فِي هَذَا النادي لِتَعْلَمُوا أَن الله على كل شَيْء قدير وَبِيَدِهِ مقاليد السَّمَوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْوَلِيّ والنصير والسميع والبصير فَكَانَ من أَمر هَذِه الْقَبَائِل السوسية والقساملة الساحلية أَن تلقوا رِكَابنَا السعيد أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا ناشرين أَعْلَام الْفَرح تجاه جيوش الله المظفرة سري وإدلاجا حاشدين جموعهم مصحوبة بأعيانهم وَمن يعْتد بِهِ من فقهائهم وشرفائهم ومرابطيهم من غير أَن يكون جمعهم خداجا مستنتجين للفوز بخاطرنا الشريف مُقَدمَات الِامْتِثَال والسمع وَالطَّاعَة لله وَلِرَسُولِهِ استنتاجا مقدمين بَين يديهم هداياهم متترسين بأبنائهم وإخوانهم وسراياهم مادين أَعْنَاق الِامْتِثَال عاضين بالنواجذ على الْخدمَة وَصَالح الْأَعْمَال فَأتوا بمؤنتهم على قدر الِاسْتِطَاعَة ومهدوا لسلوك الْجَيْش السعيد مَا صَعب من طرقهم حَتَّى صَارَت مسلوكة مشاعة وَنحن فِي كل ذَلِك نعاملهم بالبرور ونبسط الْبشر إِلَيْهِم ونقابلهم بِمَا ارتسم فيهم من السرُور وَهَا نَحن بحول الله جادون فِي الخلوص إِلَى الْمَقْصد الَّذِي لأَجله نقلنا هَذِه الخطوات واستعملنا
الصفحة 180