كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)

هُوَ أضرّ الْأَحْكَام على الشَّرِيعَة وَيبين كَيْفيَّة غذَاء أهل الْجنَّة وَأَن الْحيض لَيْسَ من فضلات الْغذَاء وَيبْطل التَّأْثِير والتولد وَيُوجب ان الاقترانات بالعادات لَا باللزوم وَعند الْأَسْبَاب لَا بهَا إِلَى غير ذَلِك إِلَّا إِنِّي لما أَشرت بِهَذَا انقسم من أَشرت عَلَيْهِ بتبليغه إِلَى من لم يفهم مَا قلت وَمن لم يرفع بِهِ رَأْسا لإيثار الدُّنْيَا على الدّين فَإنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون
قَالَ الْمقري وَقد ذكر أَن امْرَأَة أُخْرَى كَانَت مَعهَا على تِلْكَ الْحَالة وحَدثني غير وَاحِد من الثِّقَات مِمَّن أدْرك عَائِشَة الجزرية أَنَّهَا كَانَت كَذَلِك وَإِن عَائِشَة بنت أبي بكر يَعْنِي زَوْجَة السُّلْطَان أبي الْحسن الَّتِي استشهدت فِي طريف اختبرتها أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَيْضا وَكم من آيَة أضيعت وَحجَّة نسيت مِمَّا لم يعرف مثله قبل الْمِائَة الثَّامِنَة وَكَذَلِكَ الوباء الْعَام الْقَرِيب فروطه يُوشك أَن يطول أمره فينسى ذكره ويكذب الْمُحدث بِهِ اذا انْقَضى عصره وَكم فِيهِ من أَدِلَّة على أصُول الْملَّة اه كَلَام الشَّيْخ أبي عبد الله الْمقري رَحمَه الله وَيَعْنِي بالوباء الْقَرِيب فروطه وباء منتصف الْمِائَة الثَّامِنَة أَيَّام كَانَ السُّلْطَان أَبُو الْحسن بتونس فَإِنَّهُ كَانَ وباء عَظِيما لم يعْهَد مثله قد عَم أقطار الأَرْض وتحيف الْعمرَان جملَة حَتَّى كَاد يَأْتِي على الخليقة أجمع والأمور كلهَا بيد الله لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان المتَوَكل على الله أبي عنان فَارس بن أبي الْحسن رَحمَه الله

كَانَ هَذَا السُّلْطَان محبوبا فِي قومه وعشيرته أثيرا عِنْد وَالِده متميزا بذلك عَن سَائِر اخوته لفضله وَعَمله وصيانته وعفافه واستظهار الْقُرْآن الْكَرِيم وَغير ذَلِك من الْأَوْصَاف الْحَسَنَة أمه أم ولد رُومِية اسْمهَا شمس الضُّحَى وقبرها بشالة مَعْرُوف إِلَى الْآن رَأَيْت مَكْتُوبًا عَلَيْهِ بالنقش أَنَّهَا توفيت لَيْلَة السبت رَابِع رَجَب الْفَرد سنة خمسين وَسَبْعمائة ودفنت إِثْر صَلَاة الْجُمُعَة فِي الْخَامِس وَالْعِشْرين من الشَّهْر الْمَذْكُور وَحضر لدفنها أَعْيَان الْمشرق
فِيهِ الْفِكر وأسهرنا أحداق الاعتبارات من صرف النّظر لفتح مرسى آساكا مَرْكَز سَاحل وَادي نول وَمجمع الْقَبَائِل الْعَرَبيَّة والبربرية ومنتهى ذَلِك المسكون وَلَا سِيمَا من جَاءَت بَينهمَا كالام والعنصر وهما كالتوأمين لَهَا يستمدان مِنْهَا ويرضعان خُلَاصَة لبن ثديها وهما القبيلتان الباعمرانية والتكنة وَمن تراكم عَلَيْهِمَا وارتدف من قبائل الْعَرَب والبربر أَو كَانَ على حكمهمَا فِيمَا ارتضع وارتشف هَذَا إِن كَانَت تصلح لذَلِك وتعود مَنْفَعَتهَا على الْمُسلمين وَالْإِسْلَام بعد الاستخارة مرَارًا فِي اختطاطها وتتحقق بصلاحيتها كشفا واستبصارا ونتوخى فِي الْإِقْدَام على ذَلِك بحول الله الْأسد من الأنظار والمنهاج القويم الْجَارِي على اعْتِرَاف هاتيك الأقطار ثمَّ إِن كَانَت مُوَافقَة للأصلح أقدمنا وَإِن لم يظْهر وَجه الْمصلحَة أعرضنا عَنْهَا إِلَى غَيرهَا قَالَ الله الْعَظِيم {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} الْبَقَرَة 106 وَمَا آل إِلَيْهِ الْأَمر نعلمكم بِهِ ونشنف آذانكم بِمَا سنح من سره فَإِنَّهُ لكل عمل نتيجة بعد العنوان وَالله الْمولى الْمُسْتَعَان وَالْهَادِي إِلَى سَوَاء السَّبِيل وَهُوَ نعم الْمولى وَنعم الْوَكِيل وَالسَّلَام فِي تَاسِع شعْبَان الأبرك عَام ثَلَاثَة وثلاثمائة وَألف ثمَّ تجَاوز السُّلْطَان أيده الله قطر السوس الْأَقْصَى إِلَى صحراء كليميم فوفدت عَلَيْهِ هُنَاكَ أَشْيَاخ عرب معقل وكبراؤها خاضعين مُطِيعِينَ وفرحوا بِمقدم السُّلْطَان ووطئه بِلَادهمْ غَايَة الْفَرح حَتَّى لقد اتَّخذُوا مَوضِع خبائه الَّذِي كَانَ مَضْرُوبا بِهِ مزارا يتبركون بِهِ إِلَى الْآن إِذْ لم يَكُونُوا هم وَلَا آباؤهم من قبل رَأَوْا سُلْطَانا بأرضهم وَلَا سمعُوا بوصوله إِلَيْهَا وأجروا خيولهم وإبلهم بمحضره ولعبوا عَلَيْهَا بالبارود إِذْ عَادَة عرب الصَّحرَاء أَن يسابقوا على الْإِبِل كَمَا يسابقون على الْخَيل وَمن هُنَاكَ وَجه السُّلْطَان أيده الله كَتِيبَة من جَيْشه إِلَى مرسى طرفاية فغيروا مَا كَانَ أحدثه أُولَئِكَ التُّجَّار من النجليز بهَا وطمسوا أَعْلَامه وفر من كَانَ بهَا من النَّصَارَى إِلَى بابوراتهم الَّتِي كَانَت على ذَلِك السَّاحِل وَأمر أيده الله بِبِنَاء مرسى آساكا واتخاذها محلا للوسق والوضع هُنَاكَ ورتب الحامية والعسات بِتِلْكَ

الصفحة 181