كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (اسم الجزء: 3)
وَالْمغْرب اه وَكَانَ مولد السُّلْطَان أبي عنان بفاس الْجَدِيد فِي الثَّانِي عشر من ربيع الأول سنة تسع وَعشْرين وَسَبْعمائة وبويع فِي حَيَاة وَالِده يَوْم ثار عَلَيْهِ بتلمسان حَسْبَمَا فدمنا الْخَبَر عَنهُ وَذَلِكَ يَوْم الثُّلَاثَاء منسلخ ربيع الأول سنة تسع وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة وَلما هلك وَالِده أَبُو الْحسن بجبل هنتانة وانقضى شَأْن الْحصار ارتحل السُّلْطَان أَبُو عنان إِلَى فاس وَنقل شلو أَبِيه إِلَى شالة فدفنه بهَا وأغذ السّير إِلَى فاس وَقد استتب أمره وخلا لَهُ الجو فاحتل بدار ملكه وَأجْمع أمره على غَزْو بني عبد الواد لارتجاع مَا بِأَيْدِيهِم من الْملك الَّذِي تطاولوا إِلَيْهِ وَلما دخلت سنة ثَلَاث وَخمسين وَسَبْعمائة نَادَى بالعطاء وأزاح الْعِلَل وعسكر بِسَاحَة الْبَلَد الْجَدِيد وَعرض جَيْشه ثمَّ نَهَضَ يُرِيد تلمسان
واتصل خَبره بسلطانها أبي سعيد عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن الزياني فَجمع لَهُ قومه وَمن شايعهم من زناتة وَالْعرب ثمَّ نَهَضَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ أَخُوهُ ووزيره أَبُو ثَابت فَكَانَ اللِّقَاء ببسيط أَن كَاد آخر ربيع الثَّانِي من السّنة المكذورة وَأجْمع بَنو عبد الواد على صدمة المرينيين وَقت القائلة وَعند ضرب الْأَبْنِيَة وسقاء الركاب وافتراق أهل المعسكر فِي حاجاتهم فحملوا عَلَيْهِم وأعجلوهم عَن تَرْتِيب المصاف وَركب السُّلْطَان أَبُو عنان لتلافي الْأَمر وخاض بَحر الْقِتَال وَقد أظلم الجو بالغبار حَتَّى إِذا خلص إِلَيْهِم وخالطم فِي صفوفهم ولوا الأدبار وَاتبع بَنو مرين آثَارهم فاستولوا على معسكرهم واستباحوهم قتلا وسبيا وصفدوهم أسرى وَلم يزَالُوا فِي اتباعهم إِلَى اللَّيْل وتقبضوا على سلطانهم أبي سيعد فساقوه إِلَى السُّلْطَان أبي عنان فاعتقله وَتقدم على التعبية إِلَى تلمسان فَدَخلَهَا فِي ربيع الْمَذْكُور واستوت فِي ملكهَا قدمه وأحضر أَبَا سعيد فوبخه وَأرَاهُ أَعماله حسرات عَلَيْهِ ثمَّ أحضر الْفُقَهَاء وأرباب الْفتيا
السواحل من آكادير إِلَى كليميم وَكتب بذلك كُله إِلَى وُلَاة الْمغرب وقفل رَاجعا فأوقع فِي رُجُوعه بقبيلة ذاوتنان من أهل السوس الْأَقْصَى ثمَّ كَانَت عَاقِبَة الْقَضِيَّة النجليزية أَن قَامَ فهيا أَرْبَاب دولتهم وقعدوا وخبوا فِي التشغيب على عَادَتهم وَوَضَعُوا حَتَّى وَقع الصُّلْح على مَال دَفعه السُّلْطَان إِلَيْهِم تسكينا لِلْأَمْرِ ودفعا لما هُوَ أعظم وَالْأَمر لله وَحده
وَفِي عَشِيَّة يَوْم الثُّلَاثَاء الرَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الثَّانِيَة من السّنة الْمَذْكُورَة غيمت السَّمَاء غيما كثيفا أسود وَذَلِكَ بمراكش ونواحيها وهبت ريح سَوْدَاء مَعَ رعد قاصف ثمَّ نزل برد مثل الْبيض وَأعظم وتهدمت بمراكش دور كَثِيرَة وَمَات تَحت الْهدم خلق كثير نيفوا فِيمَا قيل على الْمِائَة وفر النَّاس إِلَى أضرحة الْأَوْلِيَاء بعد أَن ودعوا عَشَائِرهمْ وأحبتهم ولزموا الاسْتِغْفَار والتضرع إِلَى الله تَعَالَى حَتَّى انجلى الْغَيْم بعد نَحْو ساعتين وَالْحَمْد لله على حلمه بعد علمه وعَلى عَفوه بعد قدرته
وَفِي هَذِه السّنة اشْتَدَّ حرص أَجنَاس الفرنج على تنقيص صاكة الأعشار وطلبوا من السُّلْطَان أيده الله أَن يحط عَنْهُم من صاكة السّلع الموسوقة الَّتِي كَانَت مسرحة من قبل وَأَن يسرح لَهُم مَا كَانَ مثقفا قبل ذَلِك وأبدؤوا فِي ذَلِك وأعادوا وَقَامُوا فِيهِ وقعدوا فَلَمَّا رأى السُّلْطَان أيده الله شدَّة حرصهم وتكالبهم كتب كتابا إِلَى الرّعية يستشيرهم فِيهِ وَيَقُول بعد الِافْتِتَاح أما بعد فقد كَانَ طلب منا بعض نواب الْأَجْنَاس بطنجة على وَجه الْخَيْر والمحبة فِيمَا سلف من أَعْوَام تَجْدِيد شُرُوط التِّجَارَة بِقصد تَسْرِيح الْأَشْيَاء الممنوعة الوسق كالحبوب مُطلقًا والأنعام والبهائم وَنَحْو ذَلِك ونقصان صاكة الْخَارِج ذاكرين أَن تَسْرِيح ذَلِك فَهِيَ النَّفْع لبيت المَال وللرعية وَهَذِه مُدَّة من خَمْسَة أَعْوَام وَنحن ندافع ونسدد ونقارب بِمَا يَقْتَضِيهِ الْوَقْت وَالْحَال عملا بقول سيد الْوُجُود صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وقائع وقضايا سددوا وقاربوا لإبقاء مَا كَانَ على مَا كَانَ إِذْ لَا أقل من ذَلِك سِيمَا فِي هَذَا الزَّمَان الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله يَأْتِي على النَّاس زمَان يمر فِيهِ الْحَيّ على قبر الْمَيِّت فَيَقُول لَيْتَني مَكَانك وحاشى لله
الصفحة 182